للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بإشبيليّة بالموضع الذي يباع فيه الجير والجبس، فلقي هناك جارية من أحسن الناس وأقلّهم حياء. فأقبل ابن عبّاد على ابن عمار، وقال: يا بن عمار الجيارين، فقال ابن عمّار: يا مولاي والجبّاسين، فعلم من حضر أنهما لم يريدا أن يعرّف كلّ واحد منهما صاحبه بما ذكر، فبحثوا عن مرادهما، فلم يعرفوه، فسألوا: ابن عمّار، فقال له ابن عباد: لاتبعها منهم إلا غالية. ثم إن ابن عمار أخبرهم أنّ ابن عبّاد أعجبه حسن الجارية، وعابها بقلة الحياء، فصحّف «الجيارين»، فجاء منه «الحيازين» وصحّفت أنا «الجباسين»، فجاء منه «الخناشين»، فاستغربوا حضور أذهانهما وحسن كنايتهما.

أين هذه الأذهان من رجل مغفّل، كان له ابن يسمّى حسنا مسافرا، فاستفتح المصحف يتفاءل له في القدوم، فخرج له «وحسن مآب»، فترك التيامن بهذا اللفظ لمآب الفتى سالما، وقال: تصحيف «حسن مآب»: «حسن مات»، فاستدعى أمّ الفتى وخدمه، ونعاه لهنّ فأقمن مناحة، وجاء الجيران والقرابة يتطلعون حادثتهم، فهو يخبرهم بما تصحّف له، والفتى داخل قد أقبل في أغبط حال وأسرّها، فاستحمق وصار مثلا.

***

قوله: «أسند» أضفه إليك وقرّبه منك. نباهة: رفعة. أبن: باعد. دنس: عيب.

يقول: صاحب من يشرّفك بذكره الجميل، وباعد من يدنس عرضك وتعاب به.

***

[[مما قيل في الصديق]]

وقد قيل: الصاحب رقعة في الثوب، فلينظر الإنسان ما يرقّع به ثوبه.

قال ابن رشيق: [المنسرح]

اصحب ذوي القدر واستعدّ بهم ... وعدّ عن كلّ ساقط سفله

فصاحب المرء شاهد ثقة ... يقضي به غائبا عليه وله

ورقعة الثّوب حين تلبسه ... شهرته أو تكون مشتكله

وفي الحديث: «الأنفس أجناد مجنّدة، وإنها لتشامّ في الهوى كما تشامّ الخيل فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف» (١).

ونظم هذا الحديث أبو نواس فقال: [البسيط]

إنّ القلوب لأجناد مجنّدة ... لله في الأرض بالأهواء تعترف (٢)


(١) أخرجه بلفظ: «الأرواح جنود مجندة»: البخاري في الأنبياء باب ٢، ومسلم في البر حديث ١٥٩، ١٦٠، وأبو داود في الأدب باب ١٦، وأحمد في المسند ٢/ ٢٩٥، ٥٢٧، ٥٣٧.
(٢) البيتان في ديوان أبي نواس ص ٤٠٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>