يا شعبيّ، لما بين دفتيك من العلم! وليس بيوم شفاعة، فقلت له: وما المخرج؟ فقال بؤ للأمير بالشّرك والنفاق، وبالحرى أن تنجو، فلمّا دخلت على الحجاج قال لي: وأنت يا شعبيّ ممن حرج علينا! قلت: أصلح الله الأمير! أحزن بنا المنزل، وأجدب بنا الجناب، واستحلسنا الخوف، وضاق الملك، وخبطتنا فتنة، لم نكن فيها بررة أولياء، ولا فجرة أقوياء، قال: لله أبوك! لقد صدقت والله ما بررتم بخروجكم علينا، ولا قويتم خلّوا سبيله.
وكلم ابن هبيرة في قوم حبسهم، فقال: إن كنت حبستهم بباطل، فالحقّ يطلقهم، وإن كنت حبستهم بحقّ فالعفو يسعهم.
ودخل عليه رجل من النّوكى، وهو جالس مع امرأة، فقال: أيّكما الشعبي؟ فقال له: هذا، فقال: ما تقول أصلحك الله في رجل شتمني في أوّل يوم من رمضان هل يؤجر؟ فقال له الشعبيّ: أما إن كان قال لك: يا أحمق، فأرجو له الأجر.
وسأله آخر، فقال: ما تقول في رجل أدخل إصبعه في أنفه في الصلاة، فخرج عليها دم، أترى له أن يحتجم؟ فقال: الحمد لله الذي نقلنا من الفقه إلى الحجامة.
وسأله آخر، كيف كانت تسمى امرأة إبليس؟ قال ذلك نكاح لم نشهده.
ودخل الحمّام فرأى داود الأوديّ بلا مئزر، فغمّض عينيه، فقال له داود: متى عميت يا أبا عمرو؟ فقال: مذ هتك الله سترك. ومات في سنة أربع ومائة وهو ابن اثنتين وثمانين سنة.
[[الخليل بن أحمد الفراهيدي]]
والخليل رحمه الله هو أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد البصريّ الفراهيديّ ينسب إلى فراهيد بن مالك بن فهم بن عبد الله بن مالك بن نصر الأزدي ويقال: اليحمديّ.
واليحمد بطن من الأزد.
وكان الخليل من أزهد الناس وأعلاهم نفسا، وأشدّهم تعفّفا، ولقد كان الملوك يقصدونه ويتعرّفون إليه لينال منهم، فلم يفعل، وكان يعيش من بستان له خلّفه عليه والده، وكان يغزو سنة ويحج أخرى، حتى جاءه الموت.
محمد بن حميد، قال: تزوّجت إلى جيران الخليل، فنزلت عليهم، فكنت أسمع قرآن الخليل طول الليل، فقالوا لي: ما عرفنا من هذا الرجل إلا ما ترى، وإنه ليغيب عنّا في غزو وحجّ فنتوحّش إليه، وقالوا: لا يجوز الصراط بعد الأنبياء والصحابة أدقّ ذهنا من الخليل. وكانت تلك الفضيلة فيه ببركة اسم أبيه، لأنه أوّل من تسمّى بأحمد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أبو عاصم: دخلت عليه قبل وفاته بأيام، فقال: والله ما فعلت قطّ فعلا أخاف على