للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأبي تمّام استخراجات لطيفة، ومعان ظريفة، وجيّده أجود من شعر البحتريّ ومن تقدّمه من المحدثين، وشعر البحتريّ أحسن استواء من شعره، لأنّ البحتريّ يقول القصيدة كلّها، فتكون سليمة من طعن طاعن، وأبو تمام يقول البيت النّادر والبارد؛ وهذا المعنى كان أعجب إلى الأصمعيّ، وما أشبّهه إلا بغائص يخرج الدرّة المخشلبة- وهي زجاجة توضع مكان الدّرّة- ثم قال: لأبي تمام والبحتريّ من المحاسن ما لو قيس بأكثر شعر الأوائل ما وجدوا فيه مثله، ثم قال: والبحتريّ ختم الشعر، وله بيتان لو وضعا إلى شعر زهير لجازا فيه؛ وهما: [الوافر]

فما سفه السّفيه وإن تعدّى ... بأنجع فيك من حلم الحليم (١)

متى أحفظت ذا كرم تخطّى ... إليك ببعض أفعال اللّئيم

وذكر المبرّد في هذا المجلس شعرا له، وقدّمه على نظرائه: [الكامل]

وإذا ذكرت محاسن ابني صاعد ... أدّت إليك مخائل ابني مخلد (٢)

كالفرقدين إذا تأمّل ناظر ... لم يعل موضع فرقد عن فرقد

وقوله: [الكامل]

من شاكر عنّي الخليفة للّذي ... أولاه من فضل ومن إحسان (٣)

حتّى لقد أفضلت من إفضاله ... ورأيت نهج الجود حيث رآني

وبعدهما: [الكامل]

أغنت يداه يدي وشرّد جوده ... بخلي، فأفقرني كما أغناني

وله أيضا في الفتح بن خاقان، وقد نزل إلى الأسد فقتله: [الطويل]

حملت عليه السيف عطفك ما انثنى ... ولا يدك ارتدّت ولا حدّه نبا (٤)

فأحجم لمّا لم يجد فيك مطمعا ... وصمّم لما لم يجد عنك مهربا

وله فيه:

وما منع الفتح بن خاقان نيله ... ولكنها الأيام تعطى وتحرم (٥)

سحاب خطاني جوده وهو مسبل ... وبحر عداني فيضه وهو مفعم

وبدر أضاء الأرض شرقا ومغربا ... وموضع رجلي منه أسود مظلم


(١) ديوان البحتري ص ٢٠٧٩.
(٢) ديوان البحتري ص ٥٤١.
(٣) ديوان البحتري ص ٢٢٥٥.
(٤) ديوان البحتري ص ٢٠٠، ٢٠١.
(٥) ديوان البحتري ص ١٩٨٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>