للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تسمع يا صيمريّ ما يقول؟ فقلت: بلى يا سيدي، فمر فيه بما أحببت، فقال: بحياتي اهجه على هذا الرويّ، فقلت على البديهة [مجزوء الكامل]

أدخلت رأسك في الرّحم ... وعلمت أنك تنهزم

يا بحتريّ حذار ويح ... ك قضاقضة ضغم

فلقد أسلت بواديي ... ك من الهجاسيل العرم

فبأيّ عرض تعتصم ... وبهتكه جفّ القلم

والله حلفة صادق ... وبقبر أحمد والحرم

وو حق جعفر الإما ... م بن الإمام المعتصم

لأصيّرنّك شهرة ... بين المسيل إلى العلم

يا بن الثّقيلة والثّقي ... ل على قلوب ذوي النّعم

وعلى الصّغير مع الكب ... ير من الموالي والحشم

وبعد هذا ما يقبح ذكره؛ فغضب البحتريّ، وخرج يعدو، وجعلت أصيح به:

أدخلت رأسك في الرّحم ... وعلمت أنك تنهزم

والمتوكّل يضحك، ويصفّق حتى غاب عنه.

ومدح البحتريّ بعض الولاة، فتوانى في حقه، فأنشده: [البسيط]

إنّ الأمير أطال الله مدّته ... يعطى من العرف ما لم يعطه أحد (١)

ينسى الذي كان من معروفه أبدا ... إلى العباد، ولا ينسى الذي يعد

فأعطاه خمسين ألف درهم، وقال: البيتان خير من القصيدة.

وقال الهذليّ: قيل للبحتريّ: أيما أشعر؟ أنت أو أبو تمام؟ قال: جيّده خير من جيّدي، ورديئي خير من رديئه. وصدق، أبو تمّام لا يتعلّق به أحد في جيّده، وربما اختلّ لفظه لا معناه، والبحتريّ لا يختلّ لفظه.

وقيل له: قد عثرت باحتذائك أبا تمام في شعرك! فقال: أيعاب عليّ أن أتبع أبا تمام، وما عملت بيتا قط حتى أخطر شعره ببالي!

وذكروا معنى تعاوره البحتريّ وأبو تمام، فقال المبرّد للبحتريّ: أنت في هذا أشعر من أبي تمّام، فقال: لا والله، ذلك الرئيس الأستاذ، والله ما أكلت الخبز إلا به.

وقال عبد الله بن الحسن: سألت المبرّد عن أبي تمام والبحتريّ أيهما أشعر؟ فقال:


(١) البيت في ملحق ديوان البحتري ص ٢٥٤٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>