للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المتوكّل، وفي المجلس البحتريّ وأبو العنبس الصيمريّ، فأنشده البحتريّ قصيدة أولها:

[مجزوء الكامل]

عن أيّ ثغر تبتسم ... وبأيّ طرف تحتكم (١)

حسن يضنّ بحسنه ... والحسن أشبه بالكرم

حتى بلغ:

قل للخليفة جعفر المت ... وكّل بن المعتصم

المرتضى ابن المجتبى ... والمنعم ابن المنتقم

أمّا الرعيّة فهي من ... أمنات عدلك في حرم

يا باني المجد الذي ... قد كان قوّض فانهدم

اسلم لدين محمّد ... فإذا سلمت فقد سلم

نلنا الهدى بعد العمى ... بل والغنى بعد العدم

ثم مشى القهقرى للانصراف، فوثب أبو العنبس، وقال: يا سيّدي، تأمر بردّه! فقد والله عارضته، فأخذ ينشد في ذلك: [مجزوء الكامل]

في أيّ سلح تنتظم ... وبأيّ كفّ تلتقم

أدخلت رأس البحتر ... يّ أبي عبادة في الرّحم

ووصله بما يشبهه من الشعر. فضحك المتوكّل حتى استلقى، وقال: يدفع إلى أبي العنبس عشرة آلاف درهم، فقال أبو الفتح: يا أمير المؤمنين، والبحتريّ الذي هجي وأسمع المكروه ينصرف خائبا؟ قال: ويدفع إلى البحتريّ عشرة آلاف درهم، قال: يا سيّدي، وهذا البصريّ الذي أشخصناه من بلده، ألا يشركهم فيما حصلوه؟ قال: ويدفع له عشرة آلاف: قال وانصرفنا كلّنا في شفاعة الهذليّ، ولم ينفع البحتريّ جدّه وحذقه.

وأما أبو الفرج، فقال: حدّثني جحظة عن أبي العنبس الصيمريّ، قال: كنت عند المتوكل والبحتريّ ينشده:

* عن أيّ ثغر تبتسم*

وكان البحتريّ من أبغض الناس إنشادا، يتشادق ويتزاور في مشيه مرّة جانبا، ومرّة القهقرى، ويهزّ رأسه مرة ومنكبيه أخرى، ويشير بكفيه، ويقف عند كل بيت، ويقول:

أحسنت والله! ثم يقبل على المستمعين، ويقول لهم: ما لكم لا تقولون: أحسنت! هذا والله ما لا يحسن أحد أن يقول مثله، فضجر المتوكل من ذلك، وأقبل عليّ فقال: أما


(١) الأبيات في ديوان البحتري ص ١٩٩٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>