للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأمر الأتراك فصفّوا بين يديه صفّين، قد لبسوا الحديد، ودخل الرشيد فقال لهم: ما جئتم به؟ قالوا: هذه أشرف كسوة بلادنا، فأمر فقطّعت جلالا وبراقع لخيله، فكبّوا على وجوههم، وتذمّموا، ثم قال: ما عندكم؟ قالوا: هذه سيوف قلعية، لا نظير لها؛ فدعا بالصّمصامة، فقطعت بها السيوف سيفا سيفا، كما يقطع الفجل من غير أن تنثني لها شفرة. ثم عرض عليهم حدّ السّيف فإذا هو لا فلّ فيه، ثم قال: ما عندكم؟ قالوا: كلاب سلوقيّة، لا يبقى لها كلب ولا سبع إلّا عقرته، فأمر بالأسد فأخرج إليهم، فلما نظروا إليه هالهم، وقالوا: ليس عندنا مثل سبعكم، ثم أرسلوا عليه الأكلب- وكانت ثلاثة- فمزّقته، فقال: تمنّوا في هذه الأكلب ما شئتم، قالوا: السّيف الذي قطع سيوفنا، قال: لا يجوز في ديننا أن نهاديكم بالسلاح فانقلبوا خائبين.

وكانت الصمصامة عند الهادي، فدعا بها يوما وبمكتل مملوء دنانير، وأمر الشعراء أن يقولوا فيه، فبدأهم ابن يامين فقال: [الخفيف]

حاز صمصامة الزّبيديّ عمرو من بي ... ن جميع الأنام موسى الأمين

سيف عمرو، وكان فيما سمعنا ... خير ما أغمدت عليه الجفون

أو قدت فوقه الصّواعق نارا ... ثم شابت به الزّعاف القيون

وإذا ما شهرته بهر الشّم ... س ضياء فلم تكد تستبين

يستطير الأبصار كالقبس المش ... عل ما تستقرّ فيه العيون

وكأن الفرند والجوهر الجا ... ري على صفحتيه ماء معين

ما يبالي إذا الضريبة حانت ... أشمال سطت به أم يمين

وكأنّ المنون نيطت إليه ... فهو من كلّ جانبيه منون

فقال له: لك السيف والمكتل، ففرّق، المكتل على الشعراء، وقال: حرمتهم بسببي، وأخذ من المهديّ في السيف خمسين ألف دينار.

وممن أفرط في وصف قطع السّيف النمر بن تولب حين قال: [البسيط]

أبقى الحوادث والأيام من نمر ... أسباد سيف كريم أثره بادي

تظلّ تحفر عنه الأرض مندفنا ... بعد الذّراعين والساقين والهادي

ويروى: [البسيط]

* تظلّ تحفر عنه إن ضربت به*

والأسباد: البقايا، واحدها سبد، وقال أبو الهول: [الطويل]

حسام غداة الرّوع ماض كأنّه ... من الله في قبض النّفوس دليل

كأنّ جنود الذرّ كسّرن فوقه ... قرون جراد بينهنّ دخول

<<  <  ج: ص:  >  >>