للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ألا أيّ هذا القانص الظبي خلّه ... وخذ عوضا منه جياد قلائصي

خف الله لا تحبسه إنّ شبيهه ... حياتي قد أرعدت منه فرائصي

فقال القانص: الله إن فعلت؟ قال: الله، فأرسل الظبي، واستاق القلائص.

وحدث رجل من بني عذرة قال: كان فينا فتى ظريف غزل، كثيرا ما يتحدّث إلى النساء، فهوي جارية من الحيّ، فراسلها فأظهرت له جفوة، فوقع مضنى مدنفا وظهر أمره، وتبيّن دنفه، ولم يزل النساء من أهلها وأهله يكلّمنها فيه، حتى أجابت، فسارت إليه عائدة ومسلّمة، فلما نظر إليها تحدّرت عيناه بالدموع، وأنشأ يقول: [الطويل]

أريتك إن مرّت عليك جنازتي ... تروح بها أيد طوال وتسرع

أما تتبعين النّعش حتى تسلّمي ... على رمس ميت بالحفيرة يودع!

فبكت رحمة، وقالت: والله ما ظننت أن الأمر بلغ بك هذا، فو الله لأساعدنّك ولأداومنّ على وصالك، فهملت عيناه بالدموع، وأنشأ يقول: [الطويل]

دنت وظلال الموت بيني وبينها ... ومنّت بوصل حيث لا ينفع الوصل

ثم شهق شهقة فخرجت نفسه، قال: فوقعت عليه تلثمه، ثم رجعت عنه مغشيّا عليها، فما مكثت بعده إلّا أياما حتى ماتت.

قال حماد الراوية: انصرفت من جنازة لبعض السّكاسك، فإذا بصبيّ من عذرة ظريف، حسن الوجه، صغير السّنّ، موصوف بقول الشعر، فوقفنا فسلّمنا، فقام إعظاما لنا، فقلت: أنشدنا شيئا، فكأنه استحيا، فقلت له: لا بدّ، فأنشدنا: [مجزوء الرمل]

هل من الحبّ مجير ... من ملاح يعتدونا

قد شكونا بخضوع ... عذل قوم يعذلونا

في جوى نلقاه ممن ... لا يبالي ما لقينا

وبكينا بدموع ... أغرقت منّا الجفونا

قال حماد: فكدت أرقص طربا وقلت: فداؤك عمّك! وجلسنا إليه تعجّبا من رقته وجماله وفصاحته، فأنشدنا: [الرمل]

ولقد أرسلت دمعي شاهدا ... ثم صيّرت إليها المشتكى

فتولت، ثم قالت شغلي ... كلّ من شاء تبكي! فبكى

قال حماد: قلت له: فديتك، تحبّ هذه الجارية؟ قال: يا عمّ، والحبّ عيب! إن كان عيبا تركته. ثم قال: يا عمّ إذا قرأت أو بلغني أحاديث قومي مثل عروة وجميل، أفلا أشتهي أن أكون واحدا منهم! فانصرفنا عنه متعجبين.

<<  <  ج: ص:  >  >>