حوراء يقصر عنها الوصف إذ وصفت ... أقول ذلك في سرّ وإعلان
فلما وردت على معاوية، قال: إن كانت أعطيت حسن النغمة مع هذه الصفة، فهي أكمل البريّة، فاستنطقها، فإذا هي أحسن الناس كلاما، وأكملهم شكلا ودلّا، فقال: يا أعرابي، هل من سلوّ عنها بأفضل الرغبة؟ قال: نعم إذا فرّقت بين رأسي وجسدي، ثم أنشأ يقول: [البسيط]
لا تجعلني والأمثال تضرب بي ... كالمستجير من الرّمضاء بالنار
اردد سعاد على حيران مكتئب ... يمسي ويصبح في همّ وتذكار
قد شفّه قلق ما مثله قلق ... وأسعر القلب منه أيّ إسعار
والله والله لا أنسى محبّتها ... حتى أغيّب في رمس وأحجار
كيف السلوّ وقد هام الفؤاد بها ... وأصبح القلب عنها غير صبّار
فغضب معاوية غضبا شديدا، ثم قال لها: اختاري من شئت، أنا أو ابن أم الحكم أو الأعرابيّ؛ فأنشأت تقول: [الرجز]
هذا وإن أصبح في أطمار ... أو كان في بعض من اليسار
أكبر عندي من أبي وجاري ... وصاحب الدّرهم والدينار
* أخشى إذا غدرت حرّ النار*
فقال له معاوية: خذها لا بارك الله لك فيها، فأخذها وأنشأ يقول: [الرجز]
خلّوا عن الطّريق للأعرابي ... ألم ترقّوا ويحكم لما بي!
فضحك معاوية وأمر له بعشرة آلاف درهم، وأدخلت لبعض قصوره حتى انقضت عدّتها من ابن أمّ الحكم، ثم دفعها للأعرابيّ.
وقال بعضهم: كنت سائرا في بلاد عذرة فولجت بعض أوديتهم وإذا شابّ حسن الوجه، بيده زمام ناقة، عليها هودج مسجّف، به جارية، ومن وراء الناقة خمس قلائص، وقد رفع عقيرته ينشد ويقول: [الكامل]
ته كيف شئت وسر على مهل ... كلّ الجمال عليك يا جمل
عليّ أنّك لا ترى كللا ... ما دام فوقك هذه الكلل
فسلّمت عليه، فردّ، وسألته وسألني وتناشدنا، واتصل الأنس بيننا، وسرنا غير قليل، فرأى قانصا في أحبولته ظبي، فلما رآه يضطرب في الأحبولة أجهش بالبكاء، وأنشأ يقول: [الطويل]
وذكّرني من لا أبوح بحبّه ... محاجر ظبي في حبالة قانص
فقلت وجفن العين يجري بعبرة ... ولحظي إلى عينيه لحظة شاخص