وشويهات، فأنفقت ذلك عليها، فلما أصابتني نائبات الزمان وحادثات الدهر رغب عنّي أبوها- وكانت جارية منها الحياء والكرم، فكرهت مخالفة أبيها- فأتيت عاملك عبد الرحمن ابن أم الحكم فذكرت ذلك له. وبلغه جمالها، فأعطى أباها عشرة آلاف درهم وتزوّجها، وأخذني فحبسني، وضيّق عليّ، فلمّا أصابني مسّ الحديد وألم العذاب طلقتها، وقد أتيتك يا أمير المؤمنين، وأنت غياث المحروب، ومعيد المسلوب، فهل من فرج؟ ثم بكى وهو يقول: [مجزوء الرمل]
في القلب منّي نار ... والنّار فيها شرار
وفي فؤادي جمر ... والجمر فيه احمرار
والجسم منّي نحيل ... واللّون فيه اصفرار
والعين تبكي بشجو ... فدمعها مدرار
والحبّ داء عسير ... فيه الطبيب يحار
حملت منه عظيما ... فما عليه اصطبار
فليس ليلي ليلا ... ولا نهاري نهار
فرق معاوية له؛ وكتب إلى ابن أم الحكم كتابا غليظا وفي آخره: [البسيط]
ركبت أمرا عظيما لست أعرفه ... أستغفر الله من جور امرئ زاني
قد كنت تشبه صوفيا له كتب ... من الفرائض أو آيات فرقان
حتى آتاني الفتى العذريّ منتحبا ... يشكو إليّ بحقّ غير بهتان
أعطي الإله عهودا لا أخيس بها ... أو لا فبرئت من ديني وأيماني
إن أنت راجعتني فيما كتبت به ... لأجعلنّك لحما بين عقبان
طلّق سعاد وفارقها بمجتمع ... وأشهد على ذاك نصرا وابن ظبيان
فما سمعت كما حدّثت من عجب ... ولا فعالك حقّا فعل إنسان
فلما ورد الكتاب على ابن أم الحكم، تنفّس الصّعداء، وقال: وددت لو أن أمير المؤمنين خلّى بيني وبينها سنة، ثم عرض عليّ السيف، وجعل يؤامر نفسه في طلاقها فلم يقدر، فلما أزعجه الوفد طلّقها ثم قال: يا سعاد اخرجي، فخرجت شكلة غنجة ذات هيئة وجمال، فلمّا رآها الوفد قالوا: ما تصلح هذه إلا لأمير المؤمنين لا لأعرابيّ، وكتب الجواب: [البسيط]
لا تحنثنّ أمير المؤمنين فقد ... أوفي بعهدك في رفق وإحسان
فما ركبت حراما حين أعجبني ... فكيف سمّيت باسم الخائن الزاني!
فسوف تأتيك شمس لا خفاء بها ... أبهى البرية من أنس ومن جان