للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهو كثير، وإنما اخترع إبراهيم لفظ الذباب.

وعرّض- أي بعض الأدباء- على صاحب له بمحضر جماعة شعرا، فجعل يعرض عن محاسن الشعر ويتتبع مواضع النقد حسدا، فقال له صاحب الشعر: أراك كالذباب تعرض عن المواضع السليمة وتتبع قروح الجسد.

وقال ابن الروميّ: [المجتث]

تأمّل العيب عيب ... ما بالذي قلت ريب

والشّعر كالشّعر فيه ... مع الشّيبة شيب

فليصفح الناس عنه ... فطعنهم فيه عيب

ومنكيات الذباب لابن آدم كثيرة، منها نزوله على الوجه عند النوم، فيلقى منه بلاء، أو في الصلاة فيصير أضرّ من إبليس للتشاغل، وأما إذا تساقط في الطعام فتنغيصه وتنفيره للطباع أضرار لا تخفى، وقد قدّمت آنفا في ذلك من الشعر شيئا، ولذلك تضرب العرب المثل فتقول: أجرأ من ذباب، لأنه ينزل على الأسد والأمير.

ونذكر هنا ما هو أشدّ أذاية منه وهو البعوض، ولولا أنّ أيامه قلائل لأخلى البلاد، قال ابن رشيق يتشكّاه: [الكامل]

يا ربّ لا أقوى على دفع الأذى ... وبك استعنت على الضعيف الموذي

ما لي بعثت إليّ ألف بعوضة ... وبعثت واحدة إلى نمروذ!

وقال ابن شرف: [الكامل]

لك منزل كملت بشارته لنا ... للهو لكن تحت ذاك حديث

غنّى الذباب وظلّ يزمر حوله ... فيه البعوض ويرقص البرغوث

وقال آخر: [مخلع البسيط]

ليل البراغيث والبعوض ... ليل طويل بلا غموض

فذاك ينزو بغير رقص ... وذا يغنّي بلا عروض

وقوله: ويرضي من الغنيمة بالإياب، منقول من قول امرئ القيس، وقد طوّفت ... (١) البيت. وهو مشهور. يوردنّ: يدخلنّ. وريده: صفحة عنقه، والوريدان:


(١) يروى البيت بتمامه:
وقد طوّفت بالآفاق حتى ... رضيت من السلامة بالإياب
والبيت من الوافر، وهو لامرئ القيس في ديوانه ص ٤٣، ولسان العرب (نقب)، وجمهرة الأمثال ١/ ٤٨٤، والعقد الفريد ٢/ ١٢٦، والفاخر ص ٢٦٠، وكتاب الأمثال ص ٢٤٩، والمستقصى ٢/ ١٠٠، ومجمع الأمثال ١/ ٢٩٥، وتهذيب اللغة ٩/ ١٩٧، وتاج العروس (نقب)، ويروى «وقد نقّبت»، بدل «وقد طوّفت».

<<  <  ج: ص:  >  >>