معه، فمرّ بدجلة بإزاء منازله، فقال: يا زنام، قلت: لبيك يا أمير المؤمنين! قال:
أزمر: [السريع]
يا منزلا لم تبل أطلاله ... حاشا لأطلالك أن تبلى
العيش أولى ما بكاه الفتى ... لا بدّ للمحزون أن يسلى
لم أبك أطلالك لكنّني ... بكيت عيشي فيك إذ ولّى
قال: فزمرت وما زلت أردده، وهو ينتحب ويبكي إلى أن خرج، ثم توفّي بعد خمسة أيام.
وزنام سار المثل بضرب يزمره وإتقان صنعته.
وكان الواثق مولعا يزمره بعد أبيه المعتصم، حدّث حسين بن الضحاك قال: دخلت على الواثق، فقال: قل الساعة أبياتا ملاحا حتى أهب لك شيئا مليحا، فقلت: في أيّ معنى؟ قال: فما شئت بما ترى بين يديك، فالتفتّ فإذا بساط قد تفتّحت أنواره، وأشرق في نور الصبح، فخجلت وارتجّ عليّ، فقال الواثق: ألست ترى نور صباح، ونور أقاح! ففتح لي، فقلت: [المتقارب]
ألست ترى الصّبح قد أسفرا ... ومنسكب الغيث قد أمطرا
وأسفرت الأرض عن حلّة ... تضاحك بالأصفر الأحمرا
وتعمل كأسين في فتية ... تطارد بالأصغر الأكبرا
يحثّ كئوسهم مخطف ... تجاذب أردافه المئزرا
فكلّ ينافس في برّه ... ليفعل في ذاته المنكرا
فضحك، وقال: تستعمل ما قلت يا حسين إلا الفسق فلا ولا كرامة. ثم قال:
قوموا بنا إلى حانة الشطّ. فقام إليها، وشرب وطرب، وما ترك أحدا من المغنّين والجلساء إلا أمر له بصلة. وكان من الأيام التي سارت أخبارها في الآفاق، فلما كان من الغد غدوت عليه، فقال: أنشدني ما قلت في يومنا الماضي، فأنشدته: [البسيط]
يا حانة الشّطّ قد أكرمت مثوانا ... عودي بيوم سرور كالذي كانا
لا تفقدينا دعابات الأمير ولا ... طيب البطالة إصرارا وإعلانا
وهاج زمر زنام بين ذاك لنا ... شجوا فأهدى لنا روحا وريحانا
وسلسل الرّطل عمرو ثم عمّ به السّ ... قيا فألحق أخرانا بأولانا
لا زلت آهلة الأوطان عامرة ... بأكرم النّاس أعرافا وأغصانا
ذكرنا هذه الحكاية لظرفها، ولما وقع لزنام من الذكر في شعر حسن.
***