واتّصل الخبر بيزيد، فكتب إلى عبيد الله بن زياد بتوليته الكوفة. فخرج مسرعا، فدخلها في حشمه وهو ملثّم، والناس يتوقّعون قدوم الحسين، فجعل عبيد الله بن زياد يسلّم على الناس، والناس يقولون: وعليك السلام يا ابن رسول الله، قدمت خير مقدم، حتى انتهى إلى القصر.
فحسر اللّثام، ففتح له النعمان الباب، وتنادي النّاس: ابن مرجانة، فحصبوه بالحصباء، ففاتهم. ووضع الرّصد في طلب مسلم، فصاح مسلم: يا منصور- وكان شعارهم- فاجتمع له في ساعة واحدة ثمانية عشر ألفا. فأحاطوا بالقصر فقاتلوا ابن زياد، فلم يمس المساء ومعه مائة رجل. فلما رأى تفرّقهم سار نحو أبواب كندة، فبلغ الباب ومعه ثلاثة، فخرج وليس معه أحد، فبقي حائرا لا يدري أين يتوجّه، فنزل من على فرسه، ودخل أحد أزقّة الكوفة، فانتهى إلى باب مولاة لمحمد بن الأشعث، فاستسقاها فسقته، وأعلمها حاله، فرقّت له، فآوته وأعلمت محمد بن الأشعث بمكانه، فمشى إلى ابن زياد، فأعلمه، فوجّه معه سبعين رجلا، فاقتحموا عليه، فقاتلهم مسلم، وأمّنه محمد بن الأشعث، وحمله إلى ابن زياد فضرب عنقه، وبعث برأسه إلى يزيد بن معاوية، فصلب جثّته.
وانتهى الأمر إلى الحسين، وقد بلغ القادسيّة، فهمّ بالرجوع، فقال له إخوة مسلم:
لا نرجع أو نقتل، أو نأخذ بثأرنا، فقال الحسين: لا خير في العيش بعدكم، فسار حتى لقي خيلا لابن زياد، وعليها عمر بن سعد بن أبي وقّاص، فعدل إلى كربلاء، وهو في نحو خمسمائة فارس، فلما كثرت العساكر أيقن أنّه لا محيص له، فقال: اللهمّ احكم بيننا وبين قوم دعونا لينصرونا، ثم هميقاتلوننا! ثم خطب قومه فقال: يا عباد الله، اتّقوا الله، وكونوا من الدنيا على حذر، فإن الدنيا لو بقيت على أحد، أو بقي عليها أحد، لكانت الأنبياء أحقّ بها وبالبقاء، غير أنّ الله خلقها للفناء، فجديدها بال، ونعيمها مضمحل، وسرورها مكفهرّ، والدار قلعة، والمنزل تلعة (١)؛ فتزوّدوا فإن خير الزاد التقوى، واتقوا الله لعلكم تفلحون.
ثم قاتل حتى قتل رضي الله عنه وفيه ثلاث وثلاثون طعنة وأربع وثلاثون ضربة؛ وتولّى قتله سنان بن أنس النّخعيّ، واحتزّ رأسه، وانطلق به مسرعا إلى ابن زياد، وهو يقول:[الرجز]
أوقر ركابي فضة وذهبا ... إني قتلت الملك المحجّبا
* قتلت خير الناس أمّا وأبا*
وبعث معه الرأس إلى يزيد بن معاوية، وعنده أبو برزة، فجعل ينكت بالقضيب على فيه، وهو يقول:[الطويل]