للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال: ما دعاك إلى أن لطمت أخاك؟ فقال: إنه وطئ إزاري، ولولا حرمة هذا البيت لأخذت الذي فيه عيناه، فقال له عمر: أمّا أنت فقد أقررت، فإما أن ترضيه وإما أن أقيده منك، قال: أتقيده مني، وهو رجل سوقة! قال: قد شملك وإياه الإسلام، فما تفضله إلا بالعافية، قال: قد رجوت أن أكون في الإسلام أعزّ مني في الجاهلية، فقال: هو ذاك، قال: إذا أتنصّر. قال: إن تنصّرت ضربت عنقك. واجتمع وفد فزارة ووفد جبلة، وكادت تكون فتنة، فقال جبلة: أنظرني إلى غد يا أمير المؤمنين. قال: ذلك إليك.

فلما كان في جنح الليل خرج في أصحابه إلى القسطنطينية فتنصّر، وأعظم هرقل قدومه وسرّ به وأقطع له الأموال والرّباع، فلما بعث عمر رضيالله عنه رسوله إلى هرقل يدعوه إلى الإسلام فأجابه إلى المصالحة، ثم قال للرسول: أرأيت ابن عمّك الذي أتانا راغبا في ديننا؟ يعني جبلة، قال: لا. قال: القه ثم ائتني وخذ الجواب. فذهب فوجد على باب جبلة من الجمع والحجاب والبهجة مثل ما على باب قيصر.

قال: فتلطّفت في الأذن حتى دخلت عليه: فرأيت رجلا أصهب اللحية فأنكرته، فإذا هو قد دعا بسحالة الذهب فذرّها على لحيته، حتى عاد أصهب، وهو قاعد على سرير من قوارير. فلما عرفني رفعني معه على السّرير، وجعل يسائلني عن المسلمين، فقلت: قد أضعفوا أضعافا على ما تعرف، وسأل عن عمر رضي الله عنه، فقلت: بخير حال، فاغتمّ بسلامة عمر، فانحدرت عن السرير فقال: لم تأبى الكرامة؟ فقلت: إن رسول الله صلّى الله عليه وسلم نهى عن هذا، قال: نعم صلّى الله عليه وسلم، ولكن نقّ قلبك من الدّنس ولا تبال علام قعدت، فطمعت فيه عند صلاته على النبيّ صلّى الله عليه وسلم فقالت: ويحك يا جبلة ألا تسلم! وقد عرفت الإسلام وفضله؟ قال: أبعد ما كان مني! قلت: نعم، قد فعل رجل من فزارة أكثر ممّا فعلت، ارتدّ وضرب أوجه المسلمين بالسيف ثم أسلم، وقبل منه وخلّفته بالمدينة مسلما.

قال: زدني من هذا، إن كنت تضمن لي أن يزوّجني عمر ابنته ويولّيني الأمر من بعده، رجعت إلى الإسلام. فضمنت له التزويج، ولم أضمن الخلافة. فأومأ إلى وصيف بين يديه، فذهب مسرعا فإذا موائد الذهب قد نصبت بصحائف الفضة، فقال لي: كل، فقبضت يدي، وقلت: إن رسول الله صلّى الله عليه وسلم نهى عن الأكل في آنية الذهب والفضة، فقال: نعم صلّى الله عليه وسلم، ولكن نقّ قلبك، وكل فيما أحببت. فأكل في الذهب والفضة، وأكلت في الخلنج. ثم جيء بطشت من الذهب، فغسل يديه فيها، وغسلت في الصّفر. ثم أومأ إلى خادم عن يمينه، فذهب مسرعا، فسمعت حسّا، فإذا خدم معهم كراسيّ مرصعة بالجواهر، فوضع عشرة عن يمينه وعشرة عن يساره. وإذا عشر جوار في الشعور، عليهنّ ثياب الوشي، مكسّرات في الحلي، فقعدن عن يمينه، وقعد مثلهن عن يساره، وإذا بجارية قد خرجت كالشمس حسنا، وعلى رأسها تاج عليه

<<  <  ج: ص:  >  >>