للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وغير ذلك، فقال له: أَلْقِها يا مُوسى فَأَلْقاها فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى [طه: ٢٠]. فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ [القصص: ٣١]. أي لم ينظر فنودي: لا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ [القصص: ٣١] الآيات.

فسأل الله تعالى أن يرسل معه أخاه هارون ردأ، أي عونا لكونه كان أفصح منه لسانا للجمرة التي كانت أحرقت لسانه في صغره، فثقل لسانه فقال تعالى: سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ [القصص: ٣٥].

فأقبل موسى إلى أهله فصار بهم إلى مصر، فدخلها ليلا، فنزل ضيفا بأمه وأخيه، وهم لا يعرفونه، وهارون غائب، فنزل بجانب الدار، وجاء هارون فسأل عنه أمّه فأخبرته أنه ضيف، فدعاه وأكل معه، ثم سأله: من هو؟ فقال: أنا موسى، فقام كلّ واحد منهما لصاحبه واعتنقه.

فقال له موسى: يا هارون، إن الله قد أرسلني وإياك إلى فرعون، فانطلق معي، فقال: سمعا وطاعة، فصاحت أمهما، وقالت: نشدتكما الله تعالى ألا تذهبا إليه فيقتلكما! فسكّناها ثم انطلقا إليه ليلا في قول السدّيّ وضربا الباب، فكلمهما البواب، فقالا له:

إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ [الشعراء: ١٨]، ففزع البواب، فأتى فرعون فأخبره أن مجنونين بالباب يزعمان كذا، فقال: أدخلهما.

وأما ابن إسحاق فحدث أنهما وقفا على باب فرعون، يلتمسان الإذن، يغدوان ويروحان سنتين، وفرعون لا يعرف بهما حتى دخل ملةّ له، فقال له: أيها الملك، إن على الباب رجلا أنّ له إلها غيرك، فقال: أدخلوه، فدخلا وبيد موسى عصاه، فلما وقفا عرفه فرعون، فقالا: إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ [الشعراء: ١٦]، فجاوبه بقوله أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً [الشعراء: ١٨] الآيات، ثم ذكّره أياديه قبله.

فقال له موسى: وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ [الشعراء: ١٨ - ٢٢]، أي اتخذتهم عبيدا، تقتل من شئت وتسترقّ من شئت. فقال له وَما رَبُّ الْعالَمِينَ [الشعراء: ٢٣] فأراه الآية الكبرى في العصا، أن ألقاها فإذا هي تعبان مبين، ملأت ما بين السماطين فاتحة فاها، قد صار محجنها على ظهرها، فارفضّ الناس، ومال فرعون عن سريره، فناشد موسى ربّه، فأدخل يده في جيبه، فأخرجها بيضاء كالثلج، ثم ردّها، فعادت هيئتها، ثم وضع يده على الحيّة فصارت عصا كما كانت أول مرة، وأخذ فرعون بطنه- وكان فيما يزعم يمكث الخمس والسّت ولا يلتمس الخلاء- وكان ذلك مما زيّن له أنه ليس له شبيه في الناس- فقال لملئه: إن هذا لسحر عظيم، فجمع السحرة، ووعدهم ليوم العيد، وأن يحشر الناس ضحى، يحضرون أمرهم مع موسى، فاجتمعوا لذلك اليوم، فصف خمسة عشر ألف ساحر، كلّ ساحر له نوع من السحر، فخرج موسى يتوكأ على عصاه، حتى أتى الجمع، وفرعون في مجلسه مشرف على وجوه أهل مملكته

<<  <  ج: ص:  >  >>