فقال لهم موسى: وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ [طه: ٦١].
فقال بعضهم لبعض: أهكذا يقول ساحرا فخيروه في أن يلقى أو يلقوا؟ فقال: بل ألقوا، فخيّلوا بحبالهم وعصيم أشياء حيّروا بها العقول، من حيّات قد ملأت الوادي، يركب بعضها بعضا، ونيران تحرق في ظاهرها ما مرّت به وظلم متكاثفة، كما وصف الله تعالى: وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجاؤُ بِسِحْرٍ عَظِيمٍ [الأعراف: ١١٦]، ففزع موسى وأخوه لهول ما رأيا وذلك قوله تعالى: فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى قُلْنا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى [طه: ٦٨] الآيات. فألقى موسى عصاه، فجعلت تلقف كلّ ما خيلوا به، وكانوا جلبوا آلاتهم في السفن في النيل، فابتلعت السفن، وأقبلت فاتحة فاها، على قبّة فرعون بمن فيها، ففروا وتعلّقوا بموسى يستنقذون به. فأخذها موسى، فإذا هي عصا في يده كما كانت، فوقع السّحرة سجّدا قائلين: آمَنَّا بِرَبِّ هارُونَ وَمُوسى [طه: ٧٠] لما تبيّنوا أن أمر العصا إلهي، ليس من تخاييلهم، فقال لهم فرعون: آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ [طه: ٧١] إلى قوله تعالى: وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقى، أي لا سلطان لك إلا في الدنيا ولا سلطان لك بعدها، قالوا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَتَوَفَّنا مُسْلِمِينَ [الأعراف: ١٢٦]، فقتلهم فكانوا أول النهار سحرة وآخره شهداء.
ثم أمر الله تعالى نبيّه موسى أن يخرج بني إسرائيل فقال: فَأَسْرِ بِعِبادِي لَيْلًا [الدخان: ٤٣].
فأمرهم أن يستعيروا الحليّ من القبط، فخرجوا ليلا، وألقى الله على القبط النوم، حتى طلعت الشمس، وكان موسى على ساقة بني إسرائيل وهارون على المقدّمة، وعدد بني إسرائيل ستمائة ألف وعشرون ألف مقاتل، لا يعدّون ابن العشرة لصغره، ولا ابن الستين لكبره. وتبعهم فرعون، وعلى مقدّمته هامان وهم في ألف ألف وسبعمائة ألف، فذلك قوله تعالى: فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ [الشعراء: ٣٥]. فلمّا تراءى الجمعان، قالوا: يا موسى أوذينا من قبل أن تأتينا بالذبح ومن بعد ما جئتنا اليوم يدركنا فرعون فيقتلنا! فقال: كَلَّا إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ [الشعراء: ٦٢].
فأتى موسى البحر، وكنّاه أبا خالد، فضربه بعصاه، فانفلق فكان كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ [الشعراء: ٦٣]، والطود: الجبل، فصار في البحر اثنا عشر طريقا فدخل كلّ سبط طريقه، وكلّ سبط يقول: قتل أصحابنا ففتح الله بينهم قناطر، فنظر آخرهم إلى أوّلهم. وجاء فرعون ومن معه، فأبت خيله أن تقتحم، فاقتحمها جبريل على فرس أنثى، فاقتحمت الخيل في أثره، فلما توسط البحر، أمر البحر أن يأخذهم، فانضم عليهم، فلما أدرك فرعون الغرق، قال: آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ [يونس:
٩٠] وجعل جبريل يدّس الطين في فمه لئلا يتمّ الكلمة، فيرحمه الله، وميكائيل يقول: