للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المعروف بابن سمعون، الواعظ. وكان وحيد عصره وفريد دهره في الإخبار عمّا هجس في الأفكار، وليّا من الأولياء الأخيار، كلامه في الوعظ نافع، ونصحه في القلوب ناجع، ومجاله في تصاريف الكلام على الخواطر رحب واسع. وكان يقال له: الشيخ المنطق بالحكمة.

وحدّث أبو الطاهر محمد بن عليّ العلاف قال: حضرت ابن سمعون يوما وهو في مجلس الوعظ على كرسيّه، وكان أبو الفتح القوّاس جالسا إلى جنب الكرسيّ، فغشيه النعاس فنام، فأمسك أبو الحسن عن الكلام ساعة حتى استيقظ أبو الفتح ورفع رأسه، فقال له: رأيت النبيّ صلّى الله عليه وسلم في نومك؟ فقال نعم، فقال أبو الحسن: لذلك أمسكت عن الكلام خوفا أن تنزعج وتنقطع عن الكلام الذي كنت فيه.

وذكر أبو عليّ الهاشميّ، قال: حكى لي مولى الطائع لله تعالى، قال: أمرني الطائع أن أوجّه إلى ابن سمعون فأحضره دار الخلافة، ورأيت الطائع على صفة من الغضب- وكان يتّقى في تلك الحال، لأنّه كان ذا حدّة- فبعثت إلى ابن سمعون وأنا مشغول القلب لأجله، فلما حضر، أعلمت الطائع حضوره- فجلس مجلسه، وأذن له في الدخول فسلّم عليه بالخلافة، ثم أخذ في وعظه فأوّل ما ابتدأ به أن قال: روي عن أمير المؤمنين عليّ ابن أبيطالب رضي الله عنه ... وذكر خبرا، ولم يزل يجري في ميدان الوعظ حتى بكى الطائع وسمع شهيقه، وابتلّ منديله بين يديه بدموعه، فأمسك ابن سمعون حينئذ، ودفع إليّ درجا فيه طيب وغيره، فدفعته إليه وانصرف. وعدت إلى الطائع، وقلت: يا مولاي، رأيتك على صفة من الغضب على ابن سمعون، ثم انتقلت عنها عند حضوره، فما السبب؟ فقال: رفع إليّ أنه ينتقص عليّا رضي الله عنه، وأحببت أن أتيقّن ذلك، فإن صح منه قلته، فلمّا حضر بين يديّ افتتح كلامه بذكره والصلاة عليه، وأعاد في ذلك وأبدى، وقد كان له مندوحة في الرواية عن غيره وترك الابتداء به، فعلمت أنه وفّق لما تزول به عنه الظنّة، وتبرأ ساحته عندي، ولعله كوشف بذلك.

وله كتاب المجالس وهو كله أحاديث متصلة الأسانيد.

ومن كلامه أن القلب بمنزلة المرآة فإذا أصابتها لطخة عولجت بالزّيت، فإذا زادت زيد فيها من حتات الآجرّ، فإذا زادت جليت بالحديد، فإذا زادت على ذلك حتى ركبها الصدأ لم يكن لها بدّ من عرضها على النار حتى يتم جلاؤها.

توفّي ابن سمعون في ذي القعدة سنة سبع وثمانين وثلاثمائة، ودفن بداره بشارع العباسي، فلم يزل هناك حتى نقل يوم الخميس الحادي عشر من رجب سنة ست وعشرين وأربعمائة ودفن بباب حرب ببغداد. وقيل: إن أكفانه لم تكن بليت بعد.

***

فلم يتكاءدني لاستماع المواعظ، واختبار الواعظ؛ أن أقاصي اللّاغط،

<<  <  ج: ص:  >  >>