للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلادة، وجعلت في عنقها مخنقة، فقلت: من هذه الصبيّة فقد أعجبني حسنها؟ فبكت ثم قالت: هذه ابنتك، كنت خبّرتك أنّي ولدت ميتا، وهذه التي ولدت، فجعلتها عند خالها، وبلغت لهذا المبلغ. فأمسكت عنها حتى اشتغلت أمها، ثم أخرجتها يوما، فحفرت حفرة فجعلتها فيها، وهي تقول: يا أبت أتغطّيني بالتراب! حتى واريتها وانقطع صوتها، فما رحمت واحدة منهنّ ممن وأدت غيرها، فدمعت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال:

«إنّ من لا يرحم لا يرحم» (١).

وذكر أن قيسا وأد بيده بضع عشرة ابنة، وكان السبب في وأد البنات أن المشمرج اليشكريّ أغار على قوم قيس، فسبا نساء فيهنّ ابنته وابنة أخيه، فدخل قيس إليهم فسألهم أن يهبوهما له، فوجد المشمرج قد اصطفاهما لنفسه، فسأله إياهما، فقال: قد جعلت أمرهما إليهما، فإن اختار تاك فخذهما، فاختارتا المشمرج، فانصرف فوأد كلّ ابنة له خوفا من الفضيحة، فاقتدت به العرب في ذلك.

قال الهيثم: إن الوأد كان مستعملا في قبائل العرب قاطبة، كان يستعمله واحد ويتركه عشرة، فجاء الإسلام، وقد قلّ إلا في تميم.

وقيل: كان الوأد في تميم وقيس وبكر وهوازن وأسد، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسني يوسف» (٢)، فأجدبوا سبع سنين حتى أكلوا الوبر بالدم، ولهذا جاء تحريم الدم، وهذا خبر بيّن أنّ الوأد كان للحاجة لا للأنفة، وبه نزل القرآن، قال الله تعالى: وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ [الإسراء: ٣١]، وقال: وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ [الممتحنة: ١٢].

ومن ذكر أنه كان أنفة وأنه كان في تميم، ومن جاورهم فيحتج بحديث أبي عبيدة، أن تميما منعت النعمان الإتاوة، فوجّه إليهم أخاه الريان، وجل من معه من بكر بن وائل، فاستاق النّعم وسبى الذّراري. وفي ذلك يقول المشمرج اليشكريّ: [البسيط]

لمّا رأوا راية النعمان مقبلة ... قالوا ألا ليت أدنى دارنا عدن

يا ليت أمّ تميم لم تكن عرفت ... مرّا وكانت كمن أودى به الزّمن

وقال النعمان في جوابه: [البسيط]

لله بكر غداة الرّوع لو بهم ... يرمى ذرا حضن زالت بهم حضن


(١) أخرجه البخاري في الأدب باب ١٨، ٢٧، ومسلم في الفضائل حديث ٦٥، وأبو داود في الأدب باب ١٤٥، والترمذي في البر باب ١٢، وأحمد في المسند ٢/ ٢٢٨، ٢٤١، ٢٦٩، ٥١٤.
(٢) أخرجه البخاري في الأذان باب ١٢٨، والاستقاء باب ٢، والجهاد باب ٩٨، والأنبياء باب ١٩ وتفسير سورة ٣ باب ٩، وسورة ٤ باب ٢١، والأدب باب ١١٠، والإكراه في المقدمة، ومسلم في المساجد حديث ٢٩٤، ٢٩٥، وأبو داود في الصلاة باب ٢١٦، والوتر باب ١٠، والنسائي في التطبيق باب ٢٧، وابن ماجة في الإقامة باب ١٤٥، وأحمد في المسند ٢/ ٢٣٩، ٢٥٥، ٢٧١، ٤١٨، ٤٧٠، ٥٠٢، ٥٢١.

<<  <  ج: ص:  >  >>