للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذا لا أرى أحدا في الناس يشبههم ... إلا فوارس خامت عنهم اليمن

فوفدت إليه تميم، فأناب إليهم، وأحب البقيا، وقال: [البسيط]

ما كان ضرّ تميما لو تغمّدها ... من فضلنا ما عليه قيس عيلان

فسألوه النساء، فقال: كلّ امرأة اختارت أباها ردت إليه، وإن اختارت صاحبها تركت عنده فكلّهن اخترن آباءهنّ إلّا ابنة قيس بن عاصم، اختارت صاحبها عمرو بن المشرج، فنذر قيس: ألّا تولد له ابنة إلا قتلها. فهذا شيء يعتلّ به من وأد البنات، ويقول، : فعلناه أنفة، وقد كذّب بما أنزل الله تعالى في القرآن المجيد. وأين فعل قيس في الوأد وقساوة قلبه من فعل صعصعة بن ناجية بن عقال جدّ الفرزدق! فإنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إني كنت أعمل عملا في الجاهلية لنفسي، أينفعني ذلك اليوم؟ قال: وما عملك؟ قال. أضللت ناقتين عشراوين، فركبت حملا ومضيت في بغائهما: فرفع لي بيت فقصدته، فإذا شيخ جالس بفناء الدار، فسألته عنهما، فقال: هما عندي، وقد أحيا الله تعالى بهما قوما من أهلك مضر، فجلست عنده ليخرجا إليّ، فإذا عجوز قد خرجت من كسر البيت، فقال لها: ما وضعت؟ فإن كان ذكرا شاركناه في أموالنا، وإن كان أنثى وأدناها! فقالت: وضعت أنثى، فقلت: أتبيعنيها؟ فقال: وهل تبيع العرب أولادها! قال: فقلت: إنما اشتري حياتها لا رقّها، فقال: بكم؟ فقلت: احتكم، قال: الناقتين والجمل، قلت: ذلك لك، على أن يبلغني وإياها الجمل، ففعل فآمنت بك يا رسول الله، وقد صارت لي سنّة في العرب، أشتري كلّ موءودة بناقتين وجمل، فعندي إلى هذه الغاية ثمانون ومائة موءودة، قد أنقذتها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا ينفعك ذلك، لأنك، لم تبغ وجه الله، وإن تعمل في إسلامك عملا صالحا تثب عليه».

وقال الفرزدق يفتخر بفعل جدّه على جرير: [المتقارب]

ألم تر أنا بنو دارم ... زرارة منّا أبو معبد

ومنّا الذي منع الوائدات ... وأحيا الوئيد فلم توأد (١)

أيطلب مجد بني دارم ... عطية كالجعل الأسود

قرنبي يحكّ قفا مقرف ... لئيم مآثره قعدد

ومجد بني دارم دونه ... مكان السّماكين والفرقد

وعطية هو أبو جرير، ويأتي في الأربعين.

وجاء في الحديث الترغيب في إكرام البنات، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من ابتلي بشيء من هذه البنات، فأحسن إليهنّ كن له سترا من النار» (٢). وفي طريق آخر «من كان له ثلاث بنات،


(١) الأبيات في ديوان الفرزدق ١/ ١٧٣، والبيت الأول في الكتاب ٢/ ٢٣٤.
(٢) أخرجه البخاري في الزكاة باب ١٠، ومسلم في البر حديث ١٤٧، والترمذي في البر باب ١٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>