هجرتك لم أهجرك من كفر نعمة ... وهل يرتجى نيل الزيادة بالكفر
ولكنّني لما أتيتك زائرا ... فأفرطت في بري عجزت عن الشكر
فآليت لا آتيك إلّا مسلّما ... أزورك في الشهرين يوما وفي الشهر
فإن زدتني برّا تزايدت جفوة ... ولم تلقني طول الحياة إلى الحشر
فلما وصلت إليه، قال: قاتله الله ما أشعره، وأدق معانيه! فأجابني لوقته، وكان حسن البديهة: [الطويل]
ألا ربّ ضيف طارق قد بسطته ... وآنسته قبل الضيافة بالبشر
أتاني يرجّيني فما حال دونه ... ودون القرى والعرف من نيله سترى
وجدت له فضلا عليّ بقصده ... إليّ وبرّا راد فيه على برّي
فزوّدته مالا يقلّ بقاؤه ... وزودني مدحا يدوم مع الدهر
وبعث إليّ بها وبألف دينار مع وصيفة، فقلت حينئذ: [مخلع البسيط]
إنما الدنيا أبو دلف ... بين مبداه ومحتضره
فإذا ولّى أبو دلف ... ولّت الدنيا على أثره
ملك تندى أنامله ... كانبلاج النّور عن مطره
مستهلّ عن مواهبه ... كابتسام الزهر عن زهره
جبل عزّت مناكبه ... أمنت عدنان في ثغره
كلّ من في الأرض من عرب ... بين باديه ومحتضره
مستعير منه مكرمة ... يكتسبها يوم مفتخره
والبيت الثاني أحفظ المأمون على ابن جبلة حتى سلّ لسانه من قفاه.
***
قوله: أقتضيه، أي أجمعه. أرب: حاجة. بلوت: قاسيت. الكالح: الشديد، وكلح كلوحا: أبدى أسنانه عند العبوس، والبرد الشديد يبدي الأسنان عند رعده. صرّها:
بردها الشديد. النافح: المتحرك بالريح الباردة. جهد البلاء: مشقة الضرّ، ويقال: بلغ جهده، أي أقصى قوته، فأراد بجهد البلاء المشقة التي يتمنّى الإنسان عندها الموت، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يستعيذ منه (١).
أبو هريرة رضي الله تعالى عنه: علّمني رسول الله صلّى الله عليه وسلم هذا الدعاء: «اللهم إني أعوذ
(١) لفظ الحديث: «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يتعوذ من جهد البلاء»، أخرجه البخاري في الدعوات باب ٢٨، والقدر باب ١٣، ومسلم في الذكر حديث ٥٣، والنسائي في الاستعاذة باب ٣٤، ٣٥.