للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فتضرب خمس كفّك في ثريد ... بلقم منك منكمش الذهاب

كأن دويّه في الحلق لما ... يهمهم صوت رعد أو سحاب

وقال آخر: [الطويل]

إذا غرّد العصفور طار فؤاده ... وليث حديد الناب عند الثرائد

وقال آخر: [السريع]

لم تر عيني آكلا مثله ... يضرب باليسرى معا واليمين

تلعب بالقصعة أطرافه ... لعب أخي الشّطرنج بالشّاهين

فمن مشاهير أهل الزرد هلال بن أسعر المازني، وهو من شعراء الدّولة الأمويّة، ذكر الأصبهانيّ أنه كان عظيم الخلق شديدا قويّا.

قال أبو عمرو بن العلاء: لم أكن أراه حيّا، بل رأيته ميّتا، فما رأيت على سرير أطول منه.

قال هلال: جعت مرّة، ومعي بعير لي، فنحرته فأكلته إلا ما جعلته منه على ظهري، ثم أردت جماع امرأتي، فلم أقدر، فقالت: كيف تصل إليّ وبيننا بعير!

وحدّث شيخ من بني مازن، قال: أتاني هلال، فأكل جميع ما في بيتنا، فبعثنا إلى الجيران نستقرض الخبز منهم، فلمّا رأى اختلافنا، قال: كأنكم أرسلتم إلى الجيران:

أعندكم سويق؟ (١) فأتيته بجراب طويل فيه سويق وبرنيّة (٢) فيها نبيذ، فصبّ السويق كلّه، وصب النّبيذ، وازدرد الكل.

ومر على رجل من بني مازن بالبصرة، ومعه زورق رطب، قد ساقها من بستانه، فجلس على زورق منها صغير، مغطّى بباريّة (٣) فقال: آكل من رطبك؟ قال: نعم، قال:

ما يكفيني؟ قال: ما يكفيك، فجلس على الزّورق يأكل التمر إلى أن اكتفى، فسلت الباريّة فإذا الزورق مملوء نوى.

وقال صدقة بن عبد الله المازني: أولم عليّ أبي لما تزوّجت، فعملنا عشر جفان ثريدا من جزور، فكأن أول من جاءنا هلال، فقدّمت إليه جفنة فأكلها، ثم أخرى حتى أتى على عشر جفان، ثم استسقى، فأتى بقربة من نبيذ، فوضع طرفها في شدقه، فأفرغها في جوفه، ثم خرج، فاستأنفنا عمل الطعام، ومن أعجب ما أكله مائتا رغيف بمكوك (٤) بلح.

وكانت شبعته تكفيه لخمسة أيام. وكان لا يقاومه أحد في النجدة.


(١) السويق: دقيق الحنطة.
(٢) البرنية: إناء من الخزف.
(٣) البارية: الحصير المنسوج، جمعه بواري.
(٤) المكوك: مكيال يسع صاعا ونصف.

<<  <  ج: ص:  >  >>