للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنهم سليمان بن عبد الملك، ذكر المسعودي أن شبعه (١) كانت كل يوم مائة رطل بالعراقي، وكان ربما أتاه الطبّاخون بسفافيد فيها الدجاج، وعليه جبّة الوشي، فبحرصه على الطعام، كان يدخل يده في كمّه ثم يقبض على الدجاجة، وهي حارّة فيفصلها.

قال الأصمعيّ: ذكرت ذلك للرشيد، فقال: قاتلك الله! ما أعرفك بأخبارهم! لقد كنت أرى الدّسم في أكمام جبابه، ولا أدري ما سببه، حتى حدّثتني. وكساني منها جبّة.

وخرج يوما من الحمام وقد اشتد جوعه [فاستعجل الطعام ولم يكن فرغ منه] فأمر أن يقدّم ما لحق من الشواء، ولم يكن فرغ من الطعام شيء، فقدّم إليه عشرون خروفا، فأكل أجوافها مع أربعين رقاقة، ثم قدّم الطعام، فأكل مع ندمائه كأنه لم يأكل.

قال الشمردل وكيل عمرو بن العاص رضي الله عنه لما قدم سليمان الطائف، دخل بستانيّ هو وعمر بن عبد العزيز، وأيوب ابنه، فجال في البستان ساعة، ثم قال: ناهيك بمالكم هذا مالا! ثم ألقى صدره على غصن شجرة، وقال: ويلك يا شمردل! عندك شيء تطعمني؟ فقلت: بلى عندي جدّي، كانت تغدو عليه بقرة وتروح [عليه] أخرى، قال:

عجّل به ويحك! فأتيته به كأنه عكّة سمن، فأكله وما دعا عمر ولا ابنه حتى إذا بقي الفخد قال: هلمّ أبا حفص، قال: إني صائم، فأتى عليه، ثم قال: ويلك أعندك شيء؟ فقلت:

سبع دجاجات هنديات كأنهن رئلان النعام (٢)، قال: عجّل بهنّ، فأتيته بهن، فكان يأخذ برجل الدجاجة فيلقي عظامها بفيه، فلمّا فرغ منهنّ قال: ويلك! أعندك شيء؟ فقلت:

حريرة (٣) كأنها قراضة ذهب، فقال: عجّلها، فأتيته بها، فجعل يشربها شربا، فلما فرغ تجشّأ فكأنما صاح في جبّ، ثم قال: يا غلام أفرغت منغدائي؟ قال: نعم فقدّم إليه ثمانين قدرا، فأكثر ما أكل من قدر ثلاث لقمات، وأقلّ ما أكل لقمة، ثم مسح يده واستلقى على فراشه، وأذن للناس، وصفّت الموائد، فأكل معهم فما أنكرت من أكله شيئا. وسبب وفاته أنّ نصرانيّا أتى بزنبيل مملوء بيضا، وآخر مملوء تينا، فقال: قشّروا، فجعل يأكل بيضة وتينة، حتى أكل الزّنبيلين، ثم أتوه بقصعة مملوءة محا بسكّر، فأكله فأتخم، فمات.

ومنهم عمرو بن معد يكرب، دخل على عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، فقال: من أين أقبلت يا أبا ثور؟ فقال: من عند سيّد بني مخزوم، أعظمها هامة، وأقلّها ملامة، وأفضلها حلما، وأقدمها سلما، قال: من هو؟ قال: سيف الله وسيف رسوله خالد بن الوليد، قال: فأيّ شيء صنعت عنده؟ قال: أتيته زائرا فدعا لي بقعب وفرس وثور، فقال له عمر: وأبيك إن في هذا لشبعا، قال: لي ولك؟ قال: لي ولك، قال:


(١) شبعه من الطعام: أي ما يكفيه منه ليشبع.
(٢) رئلان النعام: أي فرخ النعام.
(٣) الحريرة: دقيق يطبخ بلبن وسمن.

<<  <  ج: ص:  >  >>