آوى الله المسيح وأمّه منها إلى ربوة ذات قرار ومعين. ظلّ ظليل، وماء سلسبيل، ينساب انسياب الأراقم بكل سبيل، ورياض تحيي النفوس بنسيمها العليل، تبرز لناظريها بمجتلى صقيل، وتناديهم: ألا هلمّوا إلى معرّس للحسن ومقيل، وقد سئمت أرضها كثرة المياه حتى اشتاقت إلى الظمأ، فتكاد تناديك بها الصمّ الصّلاب: ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَشَرابٌ [ص: ٤٢]. قد أحدقت البساتين بها إحداق الهالة بالقمر، واكتنفتها اكتناف الأكمام للزهر، وامتدّت بشرقيّها غوطتها الخضراء امتداد البصر، فكل موقع لحظته بجهاتها الأربع، نضرته اليانعة قيد النظر، ولقد صدق القائلون عنها: إن كانت الجنة في الأرض فدمشق لا شك منها، وإن كانت في السماء فهي بحيث تسامتها وتحاذيها.
وقال فيها البحتري:[البسيط]
إذا أردت ملأت الطّرف من بلد ... مستحسن، وزمان يشبه البلدا (١)
يمسي السحاب على أجبالها فرقا ... ويصبح النّبت في صحرائها بددا
فلست تبصر إلّا واكفا خضلا ... أو يانعا خضرا، أو طائرا غردا
كأنّما القيظ ولّي بعد وفدته ... أو الربيع دنا من بعد ما بعدا
***
قوله:«جرد»، أي خيل قصيرة شعر الجسد. جدة: غنى. مغبوطة: محسودة، أراد مغبوط عليها مالكها، فقلب. يلهيني: يدعوني إلى اللهو. خلوّ الذّرع: فراغ البال والصدر من الهمّ، يزدهيني: يحملني على الزّهو. حفول الضّرع: كثرة المال، والضّرع للبقرة والشاة بمنزلة الثّدي للمرأة، وحفوله: امتلاؤه باللبن. شقّ: مشقة. إنصاء: إهزال.
والعنس: الناقة القوية. ألفيتها: وجدتها النّوى: البعد والانتقال من بلد إلى بلد، وأراد أنه شكر سفره. ويد النّوى: النعمة التي أنعم بها عليه، بأن أوصله إلى الغوطة. الهوى: ما تهواه النفس وتشتهيه. طفقت: أخذت. أفضّ: أكسر. ختوم: ربوط؛ يريد أنّ شهوته التي كانت قد شدّت وربطت أخذ يكسر ختومها ويسرّحها في المآكل والمشارب واللذات. أجتني: أجمع. جناة قطوف: ما يجنى من الثمار، وجعله للذّات اتساعا.
شرع: أخذ وابتدأ. من شرعت الدّابة في الماء، إذا دخلته لتشرب سفّر: مسافرون، الإعراق: المشي إلى العراق، أشفقت: خفت الإغراق: الفقر من أجل الزاد والمأكل، وكأنه غرق في ذلك، فهو يرجع إلى الغرق والإغراق: المبالغة في الشيء، يقال: أغرق الرجل في القول والرمي بالقوس، إذا بالغ فيهما.
عادني: زارني. عيد: شوق، وكلّ ما تذكرته واشتقت إليه فهو عيد، كأنه عاد إلى قلبه بعد نسيانه، ونقل لفظ الشاعر:[الخفيف]