أبا خيبريّ لأنت امرؤ ... ظلوم العشيرة لوّامها
وماذا تريد إلى رمّة ... بدوية صخب هامها
تبغي أذاها وإسعارها ... ودونك طيّ وأنعامها
ثم عمد إلى سيفي، فانتضاه من غمده، وعقر ناقتي، وقال: دونكم فما أيقظني إلا رغاؤها؛ وإذا بالناقة ترغو ما تنبعث، فقالوا: قد والله قراك حاتم فنحروها، وأكلوا وتزودوا واقتسموا متاع أبي خيبريّ، واستمرّوا لوجهتهم، فلمّا صاروا في الظهيرة وضح لهم: راكب يجنب بعيرا يؤمّ سمتهم، حتى التقوا فقال لهم: أفيكم أبو خيبريّ؟ قالوا نعم، فقال: فإن عديّ بن حاتم رأى أباه البارحة، وهو يقول: إنّ أبا خيبريّ وأصحابه استقروني، فقريتهم ناقته، فعوّضه منها، وزده بكرا يحمل عليه متاعه؛ وهذه الناقة وهذا البكر، فارتحل أبو خيبريّ الناقة، وتخفّف هو وأصحابه من أزوادهم، على البكر، ومضوا بأتمّ قرى.
وأدرك عدي ابنه النبي صلى الله عليه وسلم وروى عنه، وكان يحدّث أصحابه بهذا الحديث بعد إسلامه وقال الشاعر في عديّ: [الطويل]
أبوك أبو سفّانة الخير لم يزل ... لدن شبّ حتى مات في الخير راغبا
قرى قبره الأضياف إذ نزلوا به ... ولم يقر قبر قبله الدّهر راكبا
وكانت سفّانة بنته من أجود نساء العرب، وكان أبوها يعطيها الصّرمة من إبله فتهبها وتعطيها الناس، فقال لها أبوها: يا بنيّة إن الغويّين إذا اجتمعا في المال أتلفاه، فإما أن أعطي وتمسكي، وإما أن أمسك وتعطي أنت؛ فإنه لا يبقى على هذا شيء، فقالت: والله لا أمسك أبدا، قال: وأنا لا أمسك أبدا قالت: فلا نتجاور، فقاسمها ماله وتباينا.
وحكي أن أمّه كانت من أسخى النّاس، وأقراهم للضيف؛ وكانت لا تحبس شيئا تملكه، وهي عتبة بنت عفيف بن عمرو بن عبد القيس، فلما رأى إخوتها إتلافها، حجروا عليها ومنعوها مالها؛ حتى إذا ظنوا أنها قد وجدت ألم ذلك أعطوها صرمة من إبلها، فجاءتها امرأة من هوازن تسألها، فقالت: دونك الصّرمة، فخذيها، فو الله لقد عضّني من الجوع ما لا أمنع بعده سائلا أبدا، ثم أنشأت تقول: [الطويل]
لعمري لقدما عضّني الجوع عضّة ... فآليت ألّا أمنع الدّهر جائعا
فقولا لهذا اللائم: اليوم أعفني ... فإن أنت لم تفعل فعضّ الأصابعا
فإذا عسيتم أن تقولوا لأختكم ... سوى عذلكم أو عدل من كان مانعا
وهل ما ترون اليوم إلا طبيعة ... وكيف بتركي يا بن أمّ الطّبائعا
فقد اكتنفه الجود من أمه وأبيه.
وقالت امرأته النّوار: أصابتنا سنة اقشعرت لها الأرض واغبّر أفق السماء، وضنّت