للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المراضع عن أولادها فما تبضّ بقطرة، فأيقنا بالهلاك، فو الله إني لفي ليله صبيرة (١) بعيدة الطرفين، إذ تضاغى صبيتنا جوعا: عبد الله وعديّ وسفانة، فقام إلى الصبيّين وقمت إلى الصبية، فو الله ما سكتوا إلّا بعد هدأة من الليل، وأقبل يعلّلني بالحديث، فعرفت ما يريد، فتناومت، فلما تغوّرت النجوم إذا شيء قد رفع كسر البيت، فقال: من هذا؟

فقالت: جاريتك فلانة أتيتك من عند صبية يتعاوون من الجوع عواء الذئاب، فما وجدت معوّلا إلّا عليك أبا عديّ فقال: أعجليهم فقد أشبعك الله وإياهم، فأقبلت تحمل اثنين، ويمشي إلى جانبها أربعة، كأنها نعامة حولها رئالها، فقام إلى فرسه فوجأ لبّتها بمدية، فخرّت، ثم كشط الجلد، ودفع المدية إلى المرأة وقال شأنك، فاجتمعنا على اللّحم نشوي ونأكل، ثم جعل يأتيهم بيتا بيتا، ويقول: هبوا أيّها القوم، عليكم بالنار، فاجتمعوا والتفّ في ثوبه ناحية ينظر إلينا، والله إن ذاق منها مزعة، وإنه لأحوج إليها منا، فأصبحنا وما على الأرض منها إلا عظم وحافر، فأنشأ يقول: [البسيط]

مهلا نوار أقلّي اللوم والعذلا ... ولا تقولي لشيء فات ما فعلا (٢)

ولا تقولي لشيء كنت مهلكه ... مهلا وإن كنت معطي العنس والجملا

يرى البخيل سبيل المال واحدة ... إن الجواد يرى في ماله سبلا

ولم يكن يمسك شيئا ما عدا فرسه وسلاحه، فإنه كان لا يجود به.

وذكر الحريري أن عقيلا تمثّل بقول حاتم: [الرجز]

* شنشنة أعرفها من أخزم (٣) *

وكان عقيل بن علّفة المريّ غيورا فخورا وكانت الخلفاء تصاهره، فخطب إليه عبد الملك ابنته لبعض ولده، فقال: أمّا إن كان ولا بدّ، فجنّبني هجناء ولدك، وخرج يمتار ومعه ابنه وابنته الجرباء فنزلوا بالشأم بدير سعد فلما ارتحلوا قال عقيل: [الطويل]

قضت وطرا من دير سعد وربّما ... على عرض ناطحنه بالجماجم

ثم قال لابنه أجزيا عملّس، فقال: [الطويل]

فأصبحن بالموماة يحملن فتية ... نشاوى من الإدلاج ميل العمائم


(١) ليلة صبيرة: أي ليلة شديدة البرد.
(٢) الأبيات في ديوان حاتم الطائي ص ٧٤.
(٣) الرجز لأبي أخزم الطائي في لسان العرب (خزم)، (شنن)، ومجمل اللغة ٢/ ١٨٣، ولعقيل بن علّفة في جمهرة اللغة ص ٥٩٦، وبلا نسبة في تهذيب اللغة ٧/ ٢١٨، ١١/ ٢٨١، وكتاب العين ٦/ ٢٢٠، والمخصص ٦/ ١٩٤، وديوان الأدب ٣/ ١٠٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>