ثم قال لابنته الجرباء: أجيزي، فقالت: [الطويل]
كأنّ الكرى أسقاهم صرخديّة ... عقارا تمشّت في المطا والقوائم
فقال لها: وما يدريك ما نعت الخمر؟ ثم سل السيف، فاستغاثت بأخيها فاختبل فخذيه بسهم، فبرك ومضوا وتركوه حتى بلغوا المياه الدانية إليهم، فقالوا لأهل المياه: إنّا أسقطنا جزورا، فأدركوها فوجدوا عقيلا باركا، وهو يقول الأبيات: [الرجز]
* إنّ بنيّ ضرجوني بالدم (١) *
***
ثمّ قابلنا بوجه بشره يشفّ، ونضرته ترفّ وقال: يا قوم؛ إنّ اللّيل قد اجلوّذ، والنّعاس قد استحوذ، فافزعوا إلى المراقد، واغتنموا راحة الرّاقد، لتشربوا نشاطا، وتبعثوا نشاطا، فتعوا ما أفسّر، وبتسهّل لكم المتعسر، فاستصوب كلّ ما رآه، وتوسّد وسادة كراه. فلما وسنت الأجفان وأغفت الضّيفان، وثب إلى النّاقة فرحلها ثمّ ارتحلها، وقال مخاطبا لها: [الرجز]
سروج يا ناق سيري وخدي ... وأدلجي وأوّبي وأسئدي
حتّى تطأ خفّاك مرعاها النّدي ... فتنعمي حينئذ وتسعدي
وتأمني أن تتهمي وتنجدي ... إيه فدتك النّوق جدّي واجهدي
وافري أديم فدفد ففدفد ... واقتنعي بالنّشج عند المورد
ولا تحطّي دون ذاك المقصد ... فقد حلفت حلفة المجتهد
بحرمة البيت الرّفيع العمد ... إنّك إن أحللتني في بلدي
* حللت منّي بمحلّ الولد*
***
قوله: بشره، أي طلاقته. يشفّ: يتلألأ ويرقّ حتى يكاد يصف ما وراءه من السّرور. نضرته: نعمته ورونقه. ترفّ: تندى. استحوذ: غلب واستولى، افزعوا:
الجئوا، لتشربوا نشاطا، أي يتمشى النشاط في أجسادكم حتى ترووا به، تبعثوا: تنتبهوا.
نشاطا: جمع نشيط ككريم وكرام، ونشط ينشط فهو نشيط، إذا كان طيّب النفس للعمل.
تعوا: تحفظوا. المتعسّر: الصعب. كراه: نومه. سنت: خالطها الوسن، وهو النوم.
أغفت: نامت.
قوله: خدي، أي أسرعي. تتهمي وتنجدي: تقصدي تهامة ونجدا. إيه، معناه
(١) راجع تخريج الرجز قبل قليل.