تبارز بمعصيتك، مالك ناصيتك، وتجترئ بقبح سيرتك على عالم سريرتك، وتتوارى عن قريبك، وأنت بمرأى رقيبك، وتستخفي من مملوكك، وما تخفى خافية على مليكك أتظنّ أن ستنفعك حالك إذا آذن ارتحالك! أو ينقذك مالك، حين توبقك أعمالك! أو يغني عنك ندمك، إذا زلّت قدمك! أو يعطف عليك معشرك، يوم يضمك محشرك!
***
قوله:«تبارز» أي تكاشف وتقابل، والبارز: الظاهر المنكشف، والناصية: شعر مقدم الرأس. تجترئ: تقدم وشجع. والجريء: الشجاع المقدام. سيرتك: عادتك، وجمعها سير وهي ما يعامل به الناس من خير أو شرّ، وتقول: سرت سيرة من خير أو شرّ، إذا أحدثتها فعمل بها الناس بعدك، فصارت عادة لهم ولذلك فسرّنا السيرة بالعادة حيث وقعت، وأصل السيرة هيئة فعل السّير، وذلك أنك تقول: جلس فلان جلسة بالفتح، وهي المرة الواحدة من جلوسه، فإذا كسرت الجيم فهي هيئة جلوسه، ومثله ركب ركبة والرّكبة هيئة ركوبه، وتقول: سار هذا الفعل سيرة، والسّيرة بالكسر: هيئة سيره في الناس من حسن أو قبح أو صواب أو خطأ، وسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم: هيئة أفعاله حيث كانت. تتوارى: تستتر بمرأى من رقيبك، أي بمنظر ربّك أو بحيث يراك، ورقيب الشيء: حافظه وحارسه. ومليكك: مالكك، وأراد أنّ الإنسان إذا خلا بريبة، استتر بها عن أخيه وعبده حياء منهما، ولا يستحي من ربّه الذي يطّلع على معاصيه، ولا يخفى عليه خافية، وأشار إلى قوله تعالى: يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ ... [النساء: ١٠٨]، وقال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه:[البسيط]
إن كنت تعلم أن الله يا عمر ... يرى ويسمع ما يأتي وما تذر
وأنت في غفلة من ذاك تركب ما ... نهاك عنه، فأين الخوف والحذر!
تجاهر الله إقداما عليه، ومن ... حثالة النّاس تستحيي وتعتذر