وقيل: المتّكأ الأترج- وأمرها له أن يخرج عليهنّ، وإعظامهنّ إياه حتى شغلن به عن أنفسهن، وقطّعن أيديهنّ وقلن: حاش لله ما هذا بشرا، تنزيها له عن أن يأتي- مثله ريبة، فكان من هذا الخبر ما قص الله في القرآن ونطقت به التّفاسير والأخبار.
ثم إن امرأة العزيز قالت للعزيز: إن عبدك فضحني في الناس فإما سجنته، وإمّا برزت للناس أعتذر عن نفسي، فحبسه، فدخل معه رجلان أحدهما خبّاز الملك والآخر نديمه. وكان لمّا بلغ الحلم آتاه الله حكما وعلما من العبارة، فكان في السّجن يفسر الرؤيا للمسجونين، ويمرّض مرضاهم، ويوسّع على من ضاق عليه مكانه، فقال أحد الفتيين لصاحبه: هلمّ نجرّب هذا العبد، فسألاه من غير أن يريا شيئا، وقالا له: إنا نراك من المحسنين في معاشرتك أهل السجن، فقال لهما: أمّا أحدكما فينادم الملك، وأما الآخر فيصلب، فقالا له: ما رأينا شيئا، فقال لهما: قضي الأمر فيكما، ثم قال للذي ظن أنه ناج منهما: اذكرني عند ربّك. وأخبره أني محبوس ظلما، فأوحى الله تعالى إليه: إن اتخذت من دوني وكيلا لأطيلن سجنك، فعوقب بالسجن حيث همّ بامرأة العزيز، وبإطالته حيث اتكل في أمره على غير ربه.
ثم كان من رؤيا الملك وجهل أهل دولته وتفسير يوسف لها، وقول الملك: ائتوني به وتأبّيه الخروج حتى يسأل النّسوة عن شأنه وشهادتهنّ عند الملك بتبرئته واعتراف امرأة العزيز بأنها راودته، وقوله في العزيز: لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ [يوسف: ٥٢].
ويقال إن جبريل قال له عند ذلك: ولا يوم هممت بما هممت به! فقال: وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا ما رَحِمَ رَبِّي [يوسف: ٥٣] الآية. واستخلاص الملك إياه لنفسه، وجعله على خزائن أرضه؛ ما اشتهر قرآنا وتفسيرا. ويقال إن العزيز مات في تلك المدة، وإن يوسف تزوّجها، وقال لها: أليس هذا خيرا؟ فقالت: لا تلمني، كنت امرأة حسناء في ملك ودنيا، وكان صاحبي لا يأتي النساء، وكنت كما جعلك الله في حسنك، فغلبتني نفسي على ما رأيت.
فيزعمون أنّه وجدها عذراء، وأنها ولدت له ابنين.
ثم أجدبت الأرض، فأتاه إخوته منتجعين، فكان من أمره معهم، وإحسانه إليهم في الكيل. وطلبه لهم أن يأتوه بشقيقه بنيامين، ورجوعهم موقرين، ورغبته إياهم في إرساله معهم، وأخذه بسرقة الصّواع وتأذّيهم بذلك، ورجوعهم إلى أبيهم وتوالى الحزن على يعقوب بفقد ابنيه، وأمره لبنيه أن يرجعوا طالبين ليوسف وأخيه، ودخولهم على يوسف أذلّاء صاغرين، وتعريفه إياهم بمكانه، وبعثه بالقميص إلى أبيه، وجمع شملهم بعد طول مدّة الفراق ما نصّ الله تعالى أنّه عبرة لأولي الألباب، ولولا أنّ الأمر في كتب التفسير أشهر من أن يجهل، لفسّرناه فصلا فصلا.