المؤمنين، إنّي تفكّرت في أمرك، مع سعة ملكك، وقد ملكتك امرأة واحدة، إن مرضت مرضت لمرضها، وإن غابت غبت، وحرمت نفسك التلذّذ بالجواري ومعرفة جلالتهنّ، فإنّ منهنّ الطويلة الغيداء، والفضة البيضاء، والعقيقة الأدماء، والرقيقة السّمراء، والبربرية العجزاء، يفتن بمحادثتهنّ. ونأتك عن بنات الأحرار والنّظر إليهنّ، ولو رأت الطويلة البيضاء، والسمراء العيناء، والبيضاء العجزاء، والمولدات من البصريات والكوفيات ذوات الألسن العذبة والقدود المهفهفة، والأوساط المخصّرة والأصداغ المزرنقة، والعيون المكحلة، والثديّ المحقّقة، وحسن زينتهنّ وشكلهنّ، لرأيت شكلا حسنا، فقال له:
ويحك يا خالد! ما سلك مسامعي والله كلام أحسن مما سمعت منك. فانصرف وبقي أبو العباس متفكّرا. فدخلت عليه أم سلمة فرأته، مغموما فقالت له: إني لأنكرك يا أمير المؤمنين، هل أتاك خبر فارتعت له؟ قال: لا، قال: فما قصّتك، فزوى وجهه عنها، فلم تزل به حتى أخبرها، قالت: فما قلت لابن الفاعلة؟ قال: سبحان الله! ينصحني وتشتمينه! فخرجت مغضبة، وأرسلت إليه جماعة من العبيد، وبأيديهم مقامع من حديد، وأمرتهم ألّا يتركوا من خالد عضوا صحيحا. قال خالد: فانصرفت مسرورا لما رأيت من إعجابه بما ألقيت عليه، ولم أشكّ أنّ صلتي ستأتيني.
فإنّي لقاعد على باب داري، وإذا بالعبيد قد أقبلوا نحوي فلم أشكّ في الجائزة، فسألوا عنّي فقلت: أنا خالد، فأهوى أحدهم إليّ بهراوة فوثبت إلى منزلي، وعلمت أني أتيت من أم سلمة. وطلبني أبو العباس طلبا شديدا، وأنا مستخف، فهجم عليّ في الثالث، فقالوا: أجب أمير المؤمنين. فأيقنت بالموت، فدخلت عليه وليس في وجهي دم، فسلّمت وجلست، وإذا خلف ظهري ستر خلفه حركة فقال لي: يا خالد أين كنت منذ ثلاثة أيام؟ قلت: عليلا، قال: إنّك وصفت لي من أخبار النساء والجواري ما لم يخرق مسامعي قطّ شيء أحسن منه، فأعده عليّ، قلت: نعم أعلمتك يا أمير المؤمنين أنّ العرب اشتقت اسم الضرّة من الضّر، وإن أحدهم لم يكن عنده أكثر من واحدة إلا كان في جهد قال: ويحك لم يكن هذا في الحديث! قلت:
بلى والله، وأعلمتك أنّ الثلاث من النساء كأثافيّ القدر يغلى عليهنّ. قال أبو العباس:
برئت من قرابتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم إن كنت سمعت هذا منك في حديثك، قلت:
وأخبرتك أنّ الأربع شؤم مجتمع لصاحبهنّ، يسقمنه ويهرمنه ويشيّبنه قال: والله ما سمعت هذا منك قطّ! قلت: بلى والله يا أمير المؤمنين، قال: ويحك! وتكذّبني! قلت: وتريد أن تقتلني! قال: مرّ في حديثك، قلت: وأخبرتك أنّ أبكار النساء رجال ولكن لا خصى لهنّ، قال: وسمعت الضّحكمن وراء الستر، قلت: وأخبرتك أن بني مخزوم ريحانة قريش وعندك ريحانة من الريّاحين، وأنت تطمح إلى غيرها من الإماء! فقيل لي من وراء الستر: صدقت والله يا عمّاه وبررت، وبهذا حدّثته، ولكنه غيّر وبدّل. فقال لي أبو العباس: ما لك قاتلك الله وأخزاك! وفعل وفعل! فتركته