وقال أبو محمد المصريّ يخاطب المعتمد وقد فرّ منه:[المتقارب]
رحلت وفي قلب جمر الغضى ... وهجري لكم دون شكّ صواب
كما تهجر النفس حرّ الطعام ... إذا ما تساقط فيه الذباب
المنايا ولا الدنايا، أي إتيان المنية ولا فعل الدنية، قال أوس بن حارثة: ملك المنيّة ولا الدنية، في وصية طويلة، والمنية معناها المقدورة المحكوم بها، وهي مفعولة من المنى وهو المقدّر والقدر، يقال: منّاك الله بما يسرّك، وأصلها ممنووة فصرفت مفعولة فعيلة، كمطبوخ وطبيخ، وأدغمت الياء في الياء. الخنا: الفساد. الجنازة: النعش.
***
ثمّ رفع إليّ طرفه، وقال: لأمر ما جدع قصير أنفه، فأخبرته خبر ناقتي السّارحة، وما عانيته في يومي والبارحة، فقال: دع الالتفات، إلى ما فات، والطّماح إلى ما طاح، ولا تأس على ما ذهب، ولو أنّه واد من ذهب، ولا تستمل من مال عن ريحك، وأضرم نار تباريحك، ولو كان ابن بوحك، أو شقيق روحك، ثمّ قال: هل لك في أن تقيل، وتتحامى القال والقيل؟ فإنّ الأبدان أنضاء تعب، والهاجرة ذات لهب، ولن يصقل الخاطر، وينشّط الفاتر، كقائلة الهواجر، وخصوصا في شهري ناجر، فقلت: ذاك إليك، وما أريد أن أشقّ عليك، فافترش التّرب واضطجع، وأظهر أن قد هجع، وارتفقت على أن أحرس، ولا أنعس، فأخذتني السّنة؛ إذ زمّت الألسنة، فلم أفق إلّا واللّيل قد تولّج، والصّبح قد تبلّج، ولا السّروجيّ ولا المسرج.
***
قوله:«لأمر ما جدع قصير أنفه» أي ما جدع قصير أنفه إلا لمعنى، وكذلك أنت ما خرجت في هذا الوقت لشدّة حرّه إلى هذه القفار المخوفة إلّا لمعنى، فأخبرني به، فلذلك قال:«فأخبرته خبر ناقتي»، وأيضا فإنّ أوّل الكلام يدلّ عليه، لأنه قال:
فاستوضحته من أين أثره، فأخبره السّروجي في الشعر بقصته، فلما أكملها سأل ابن همام عن قصته، فأخبره بالناقة الضائعة. والسارحة: التي سرحت، أي مشت حيث شاءت.
عاينته: شاهدته ورأيته. الالتفات: النظر إلى جهة. والطماح: ارتفاع العين بالنظر وطاح:
ذهب وتلف. لا تأس: لا تحزن. ولا تستمل: تستدع حبّه وأن يميل إليك بودّه. مال:
انحرف. عن ريحك: عن طريقك وهواك. أضرم: أوقد. تباريحك: أحزانك. تقيل:
تنام في القائلة تتحامى: تتباعد عنها. أنضاء: جمع نضو وهو المهزول، أي قد أهزل التعب أبداننا. الهاجرة: القائلة سمّيت هاجرة لأنها تهجر البرد، أو لأنها أكثر حرّا من