. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
وَعَنِ الثَّانِي أَنَّهُ يَصِحُّ إِطْلَاقُ " نَأْتِ " عَلَى مَا أَتَى بِهِ الرَّسُولُ؛ لِأَنَّ مَا أَتَى بِهِ الرَّسُولُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَيْضًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ; لِقَوْلِهِ: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: ٣] .
الثَّانِي - أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: {قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ} [يونس: ١٥] يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الرَّسُولَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُبَدِّلَ الْقُرْآنَ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ، وَكَوْنُ السُّنَّةِ نَاسِخَةً لِلْقُرْآنِ يُنَافِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ.
أَجَابَ بِأَنَّهُ ظَاهِرٌ مِنْ قَرِينَةِ الْحَالِ أَنَّهُ أَرَادَ تَبْدِيلَ الْوَحْيِ؛ أَيْ لَيْسَ لِي أَنْ أُبَدِّلَ مَا يُوحَى إِلَيَّ بَعْضَهُ بِالْبَعْضِ.
وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ مَنْعُ التَّبْدِيلِ مُطْلَقًا فَالسُّنَّةُ بِالْوَحْيِ أَيْضًا، فَالنَّسْخُ بِهَا لَا يَكُونُ تَبْدِيلًا مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ، بَلْ بِالْوَحْيِ.
[مَسْأَلَةٌ: الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الْإِجْمَاعَ لَا يُنْسَخُ]
ش - ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ الْإِجْمَاعَ الْقَطْعِيَّ لَا يَكُونُ مَنْسُوخًا.
وَخَالَفَهُمْ بَعْضُ الْأُصُولِيِّينَ.
حُجَّةُ الْجُمْهُورِ أَنَّ الْإِجْمَاعَ الْقَطْعِيَّ لَوْ كَانَ مَنْسُوخًا لَكَانَ نَسْخُهُ بِنَصٍّ قَاطِعٍ أَوْ بِإِجْمَاعٍ قَاطِعٍ أَوْ بِغَيْرِهِمَا.
فَإِنْ كَانَ بِنَصٍّ قَاطِعٍ أَوْ إِجْمَاعٍ قَاطِعٍ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْأَوَّلُ، أَيِ الْمَنْسُوخُ خَطَأً ; لِأَنَّ الْقَطْعِيَّ يُعَارِضُهُ.
قِيلَ: وَالصَّوَابُ أَنْ يَقُولَ: يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ أَحَدَهُمَا ; لِأَنَّ التَّقْدِيرَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَطْعِيٌّ فَتَعْيِينُ أَحَدِهِمَا بِالْخَطَأِ تَرْجِيحٌ بِلَا مُرَجِّحٍ.
وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ الْأَوَّلَ لَمَّا فُرِضَ كَوْنُهُ مَنْسُوخًا لَمْ يَلْزَمْ تَرْجِيحٌ مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ عِنْدَ تَعْيِينِهِ بِالْخَطَأِ.