للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[الشرح]

قِيلَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ إِنْ أَرَادَ أَنَّ تَعَلُّقَ التَّكْلِيفِ لِنَفْسِهِ بِالْفِعْلِ يَلْزَمُ أَنْ لَا يَنْقَطِعَ بَعْدَ حُدُوثِ الْفِعْلِ بِتَمَامِهِ. وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُقْتَضِي لِلتَّعَلُّقِ هُوَ الطَّلَبُ ; إِذْ هُوَ مَعْنَى التَّكْلِيفِ، وَبَعْدَ الْفَرَاغِ مِنَ الْفِعْلِ الْمَطْلُوبِ يَنْقَطِعُ الطَّلَبُ ; لِأَنَّ الْمَفْرُوغَ عَنْهُ بَعْدَ الْفَرَاغِ غَيْرُ مَطْلُوبٍ. وَكَذَا غَيْرُهُ ; لِأَنَّ الْأَمْرَ لَيْسَ لِلتَّكْرَارِ.

وَفِيهِ نَظَرٌ ; لِأَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ يَنْعَدِمَ الطَّلَبُ الْقَائِمُ بِذَاتِ اللَّهِ، وَهُوَ مُحَالٌ.

وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: مُرَادُ الشَّيْخِ أَنَّ الْمُكَلَّفَ حَالَ حُدُوثِ الْفِعْلِ مُكَلَّفٌ بِالْإِتْيَانِ بِالْكُلِّ الْمَجْمُوعِيِّ، لَا بِإِيجَادِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْفِعْلِ، فَلَا يَكُونُ التَّكْلِيفُ حَالَ الْحُدُوثِ تَكْلِيفًا بِإِيجَادِ الْمَوْجُودِ ; لِأَنَّ الْكُلَّ الْمَجْمُوعِيَّ لَمْ يُوجَدْ حَالَ حُدُوثِ الْفِعْلِ، وَالِابْتِلَاءُ صَحِيحٌ حَالَ حُدُوثِ الْفِعْلِ ; لِأَنَّ الْمُكَلَّفَ لَمْ يَأْتِ بِتَمَامِ الْفِعْلِ بَعْدُ.

وَأَيْضًا: لَا نُسَلِّمُ انْحِصَارَ فَائِدَةِ التَّكْلِيفِ فِيمَا ذَكَرْتُمْ مِنَ الِامْتِثَالِ وَالِابْتِلَاءِ.

فَإِنْ قِيلَ: مَا وُجِدَ مِنَ الْفِعْلِ فَقَدِ انْقَطَعَ عَنْهُ التَّكْلِيفُ ; فَيَكُونُ تَعَلُّقُ التَّكْلِيفِ بِالْبَاقِي، لَا بِالْمَجْمُوعِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَجْمُوعٌ.

أُجِيبَ بِأَنَّ التَّكْلِيفَ بِالذَّاتِ قَدْ تَعَلَّقَ بِالْمَجْمُوعِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَجْمُوعٌ، وَبِأَجْزَائِهِ بِالْعَرَضِ. [فَمَا] لَمْ يَحْدُثْ، فَالْمَجْمُوعُ لَا يَنْقَطِعُ عَنْهُ التَّكْلِيفُ.

[التكليف بالْفِعْلُ حَالَ حُدُوثِهِ]

ش - قَالَ الشَّيْخُ وَمَنْ تَابَعَهُ: الْفِعْلُ حَالَ حُدُوثِهِ مَقْدُورٌ بِاتِّفَاقٍ، سَوَاءٌ قُلْنَا بِتَقَدُّمِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْفِعْلِ، كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْمُعْتَزِلَةِ، أَوْ لَمْ نَقُلْ. وَإِذَا كَانَ حَالَ حُدُوثِ الْفِعْلِ مَقْدُورًا، صَحَّ التَّكْلِيفُ بِهِ.

أَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ صِحَّةَ التَّكْلِيفِ حِينَئِذٍ، بَلْ يَمْتَنِعُ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ لُزُومِ عَدَمِ انْقِطَاعِ التَّكْلِيفِ بَعْدَ تَمَامِ الْفِعْلِ، أَوْ لُزُومِ إِيجَادِ الْمَوْجُودِ وَعَدَمِ الِابْتِلَاءِ. وَمِمَّا أُورِدَ عَلَى الْمُصَنِّفِ يُعْرَفُ جَوَابُهُ.

[الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ: الْمُكَلَّفُ]

[كون الْفَهْمُ شَرْطُ التَّكْلِيفِ]

ش - الْأَصْلُ الرَّابِعُ: الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ ; وَهُوَ الْمُكَلَّفُ. وَفِيهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فِي أَنَّ فَهْمَ الْمُكَلَّفِ هَلْ هُوَ شَرْطُ التَّكْلِيفِ أَوْ لَا؟

فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْمُحَقِّقِينَ إِلَى أَنَّ شَرْطَ الْمُكَلَّفِ أَنْ يَكُونَ عَاقِلًا يَفْهَمُ الْخِطَابَ. وَوَافَقَهُمْ بَعْضُ مَنْ جَوَّزَ التَّكْلِيفَ بِالْمُحَالِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ فَائِدَةَ التَّكْلِيفِ: الِابْتِلَاءُ، وَهُوَ لَا يُتَصَوَّرُ فِي تَكْلِيفِ مَنْ لَمْ يَفْهَمِ الْخِطَابَ.

لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُتَصَوَّرُ التَّهَيُّؤُ لِلِامْتِثَالِ إِذَا فَهِمَ الْمُبْتَلَى الْخِطَابَ. بِخِلَافِ التَّكْلِيفِ بِالْمُحَالِ، فَإِنَّهُ يُتَصَوَّرُ فِيهِ التَّهَيُّؤُ لِلِامْتِثَالِ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنِ الِامْتِثَالُ، فَتَحْصُلُ فَائِدَةُ التَّكْلِيفِ الَّتِي هِيَ الِابْتِلَاءُ.

وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَيْنِ عَلَى أَنَّ التَّكْلِيفَ لَا يَصِحُّ بِدُونِ الْفَهْمِ. أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَوْ صَحَّ التَّكْلِيفُ بِدُونِ فَهْمِ الْمُكَلَّفِ الْخِطَابَ، لَكَانَ الْمُكَلَّفُ بِهِ مُسْتَدْعَى حُصُولِهِ فِي الْمُكَلَّفِ طَاعَةً، أَيْ عَلَى وَجْهِ الِامْتِثَالِ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ فَالْمُقَدَّمُ مِثْلُهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>