للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[الشرح]

فَقِيلَ ; لِأَنَّ مَضْمُونَ الدَّلِيلِ السَّمْعِيِّ دَلَّ عَلَى أَنَّ قَوْلَ الْأُمَّةِ حُجَّةٌ. وَالْأُمَّةُ كَمَا تُطْلَقُ عَلَى الْجَمَاعَةِ تُطْلَقُ عَلَى الْوَاحِدِ. كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً} [النحل: ١٢٠] .

وَقِيلَ: لَيْسَ بِحُجَّةٍ ; لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ إِنَّمَا يُتَصَوَّرُ عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ، وَأَقَلُّ مَا يَقَعُ فِيهِ الِاجْتِمَاعُ اثْنَانِ فَصَاعِدًا.

وَالْمَذْهَبُ الثَّانِي أَظْهَرُ ; لِأَنَّ " الْأُمَّةَ " لَا تُطْلَقُ عَلَى الْوَاحِدِ إِلَّا مَجَازًا، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ.

[إِذَا أَفْتَى وَاحِدٌ وَعَرَفُوا بِهِ]

ش - الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ: إِذَا ذَهَبَ وَاحِدٌ مِنَ الْمُجْتَهِدِينَ إِلَى حُكْمٍ فِي صُورَةٍ قَبْلَ اسْتِقْرَارِ الْمَذْهَبِ عَلَى حُكْمِ تِلْكَ الصُّورَةِ، وَالْمُجْتَهِدُونَ عَرَفُوا بِأَنَّ ذَلِكَ الْحُكْمَ صَدَرَ عَنْ ذَلِكَ الْمُجْتَهِدِ، وَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ الْحُكْمَ أَحَدٌ فَهُوَ إِجْمَاعٌ قَطْعِيٌّ، إِنْ عُلِمَ أَنَّ سُكُوتَهُمْ عَنْ رِضًى، وَإِلَّا فَحُجَّةٌ. هَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ.

وَنُقِلَ عَنِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ لَيْسَ إِجْمَاعًا وَلَا حُجَّةً. وَنُقِلَ عَنْهُ أَيْضًا خِلَافُهُ، وَهُوَ أَنَّهُ حُجَّةٌ، لَا إِجْمَاعٌ.

وَنُقِلَ عَنِ الْجِبَائِيِّ أَنَّهُ إِجْمَاعٌ بِشَرْطِ انْقِرَاضِ عَصْرِ الْمُجْتَهِدِينَ وَعَدَمِ إِنْكَارِهِمْ عَلَيْهِ.

وَعَنْ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ إِجْمَاعٌ، إِنْ كَانَ فُتْيَا، لَيْسَ بِإِجْمَاعٍ، إِنْ كَانَ حُكْمًا مِنْ حَاكِمٍ.

ش - لَمَّا فَرَغَ مِنْ تَحْرِيرِ الْمَذَاهِبِ شَرَعَ فِي إِقَامَةِ الدَّلِيلِ عَلَى الْمُخْتَارِ. وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ سُكُوتَ أَهْلِ عَصْرِهِ مِنَ الْمُجْتَهِدِينَ ظَاهِرٌ فِي مُوَافَقَتِهِمْ إِيَّاهُ فِي ذَلِكَ الْحُكْمِ ; إِذِ احْتِمَالُ الْمُوَافَقَةِ رَاجِحٌ. لِأَنَّ سُكُوتَ جَمِيعِهِمْ مِنْ غَيْرِ مُوَافِقَةٍ بَعِيدٌ عَادَةً، فَيَكُونُ سُكُوتُهُمُ الظَّاهِرُ كَقَوْلِهِمُ الظَّاهِرِ ; لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ صَارَ السُّكُوتُ الدَّالُّ عَلَى الْمُوَافَقَةِ ظَاهِرًا بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِمُ الدَّالِّ عَلَى الْمُوَافَقَةِ ظَاهِرًا، فَيَنْتَهِضُ دَلِيلُ السَّمْعِ عَلَى كَوْنِهِ إِجْمَاعًا ظَاهِرًا.

وَحِينَئِذٍ إِمَّا أَنْ عُلِمَتْ مُوَافَقَتُهُمْ بَاطِنًا أَوْ لَا، فَإِنْ عُلِمَتْ كَانَ إِجْمَاعًا قَطْعًا، وَإِلَّا كَانَ حُجَّةً ; لِأَنَّ الْعَمَلَ بِالظَّاهِرِ وَاجِبٌ.

ش - قَالَ الْمُخَالِفُ - وَهُوَ الْقَائِلُ بِمَا نُقِلَ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَوَّلًا: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ سُكُوتُ مَنْ سَكَتَ، لِأَنَّهُ لَمْ يَجْتَهِدْ بَعْدُ.

أَوْ وَقَفَ فِي حُكْمِ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ ; لِأَنَّهُ اجْتَهَدَ وَلَمْ يَصِلْ إِلَى حُكْمٍ. أَوْ خَالَفَ [مَا] أَفْتَى بِهِ [الْمُفْتِي] فِي اجْتِهَادِهِ، إِلَّا أَنَّهُ تَرَوَّى أَيْ تَفَكَّرَ فِي طَلَبِ وَقْتٍ يَتَمَكَّنُ مِنْ إِظْهَارِ الْخِلَافِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>