. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
مَانِعًا عَنِ الْجَوَازِ. أَوْ لَمْ يَكْتَفِ الْوَاضِعُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ بِمِثْلِ هَذِهِ الْعَلَاقَةِ، وَاعْتِبَارُ الْعَلَاقَةِ عِنْدَ الْوَاضِعِ شَرْطَ جَوَازِ الِاسْتِعْمَالِ.
ش - هَذَا دَلِيلٌ آخَرُ عَلَى اشْتِرَاطِ النَّقْلِ. وَتَقْرِيرُهُ أَنَّهُ لَوْ جَازَ إِطْلَاقُ اللَّفْظِ فِي الْآحَادِ لِمُجَرَّدِ الْعَلَاقَةِ بِدُونِ النَّقْلِ، لَجَازَ إِمَّا بِالْقِيَاسِ أَوِ الِاخْتِرَاعِ. وَالتَّالِي [بِقِسْمَيْهِ] بَاطِلٌ، فَالْمُقَدَّمُ كَذَلِكَ.
بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّ تَسْمِيَةَ الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ بِاسْمِ الْمَفْهُومِ الْحَقِيقِيِّ إِنْ كَانَ بِسَبَبِ وُجُودِ وَصْفٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَفْهُومٍ مَجَازِيٍّ آخَرَ، يَكُونُ ذَلِكَ الْوَصْفُ سَبَبًا لِتَسْمِيَةِ الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ الْآخَرِ بِذَلِكَ اللَّفْظِ، كَمَا أَنَّ تَسْمِيَةَ الْمَنَارَةِ بِالنَّخْلَةِ بِسَبَبِ وُجُودِ وَصْفِ الطُّولِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْإِنْسَانِ الطَّوِيلِ وَالَّذِي هُوَ - أَعْنِي وَصْفَ الطُّولِ - سَبَبٌ لِتَسْمِيَةِ الْإِنْسَانِ بِالنَّخْلَةِ، كَانَ ذَلِكَ قِيَاسًا فِي اللُّغَةِ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِسَبَبِ ذَلِكَ، كَانَ اخْتِرَاعًا.
وَأَمَّا بُطْلَانُ التَّالِي; فَلِأَنَّ الْقِيَاسَ فِي اللُّغَةِ غَيْرُ جَائِزٍ كَمَا سَيَأْتِي، وَالِاخْتِرَاعُ غَيْرُ جَائِزٍ أَيْضًا ; لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ] ) خَارِجًا عَنْ وَضْعِ اللُّغَةِ.
ش - تَقْرِيرُ الْجَوَابِ أَنْ يُقَالَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ قِيَاسًا، كَانَ اخْتِرَاعًا. وَإِنَّمَا يَلْزَمُ ذَلِكَ أَنْ لَوْ كَانَ لَمْ يَكُنِ الِاسْتِقْرَاءُ دَالًّا عَلَى أَنَّ الْعَلَاقَةَ الْمُعْتَبَرَةَ كَافِيَةٌ فِي صِحَّةِ الِاسْتِعْمَالِ. أَمَّا إِذَا كَانَ الِاسْتِقْرَاءُ دَالًّا فَلَا. كَمَا فِي رَفْعِ الْفَاعِلِ لَمْ يُسْمَعْ رَفْعُهُ مِنَ الْعَرَبِ. فَإِنَّا لَمَّا اسْتَقْرَأْنَا كَلَامَهُمْ فِي رَفْعِ الْفَاعِلِ حَكَمْنَا بِكَوْنِ الْفَاعِلِ مَرْفُوعًا فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ قِيَاسًا فِي اللُّغَةِ وَلَا اخْتِرَاعًا. كَذَلِكَ هَهُنَا.
اسْتَقْرَأْنَا الْأَلْفَاظَ الْمَجَازِيَّةَ فَوَجَدْنَاهَا مُشْتَمِلَةً عَلَى الْعَلَاقَةِ، فَحَكَمْنَا حُكْمًا مُطْلَقًا عَلَى أَنَّ الْعَلَاقَةَ مُصَحِّحَةٌ.
فَإِنْ قِيلَ: إِنَّ تَصْحِيحَ الْعَلَاقَةِ لِجَوَازِ الِاسْتِعْمَالِ إِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَنِدًا إِلَى النَّقْلِ، لَمْ يَكُنْ مُسَلَّمًا.
وَإِنْ كَانَ مُسْتَنِدًا إِلَى النَّقْلِ، يَلْزَمُ مَطْلُوبُ الْخَصْمِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ جَوَازُ الِاسْتِعْمَالِ لِأَجْلِ الْعَلَاقَةِ مَعَ وُجُودِ النَّقْلِ.
أُجِيبَ بِأَنَّ النَّقْلَ فِي أَصْلِ الْمَجَازِ كَافٍ فِي تَصْحِيحِ الْعَلَاقَةِ لِجَوَازِ الِاسْتِعْمَالِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الصُّوَرِ، وَلَا يُحْتَاجُ إِلَى النَّقْلِ فِي الْآحَادِ الَّذِي هُوَ مَذْهَبُ الْخَصْمِ ; لِأَنَّ النِّزَاعَ وَقَعَ فِيهِ.
[[وجوه معرفة المجاز]]
ش - قَالَ بَعْضُ الْأُصُولِيِّينَ: إِذَا لَمْ يُوجَدِ النَّقْلُ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ عَلَى أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ حَقِيقَةٌ، وَذَاكَ مَجَازٌ، يُعَرَفُ الْحَقِيقَةُ وَالْمَجَازُ بِوُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: يُعْرَفُ الْمَجَازُ بِصِحَّةِ النَّفْيِ، يَعْنِي أَنَّ اللَّفْظَ إِذَا جَازَ نَفْيُهُ عَمَّا أُطْلِقَ عَلَيْهِ، كَانَ مَجَازًا. كَقَوْلِكَ لِلْبَلِيدِ أَنَّهُ لَيْسَ بِحِمَارٍ. فَإِنَّ الْحِمَارَ لَمَّا كَانَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْبَلِيدِ مَجَازًا، صَحَّ سَلْبُهُ عَنْهُ، عَكْسُ الْحَقِيقَةِ. يَعْنِي أَنَّ اللَّفْظَ إِذَا لَمْ يَجُزْ سَلْبُهُ عَمَّا أُطْلِقَ عَلَيْهِ كَانَ حَقِيقَةً.
كَالْإِنْسَانِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْبَلِيدِ، فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ حَقِيقَةً، امْتَنَعَ سَلْبُهُ عَنْهُ. وَهَذَا التَّعْرِيفُ غَيْرُ صَحِيحٍ ; لِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ الدَّوْرَ. وَذَلِكَ لِأَنَّ صِحَّةَ النَّفْيِ وَامْتِنَاعَهُ تَتَوَقَّفُ عَلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ، فَلَوْ عَرَفْنَاهُمَا بِصِحَّةِ النَّفْيِ وَامْتِنَاعِهِ، لَزِمَ الدَّوْرُ.
ش - الْوَجْهُ الثَّانِي: يُعْرَفُ الْمَجَازُ بِأَنْ يَتَبَادَرَ غَيْرُهُ، يَعْنِي أَنَّ الْمَدْلُولَ إِذَا تَبَادَرَ غَيْرُهُ إِلَى الذِّهْنِ عِنْدَ إِطْلَاقِ اللَّفْظِ عَلَيْهِ بِدُونِ الْقَرِينَةِ كَانَ اللَّفْظُ مَجَازًا بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ كَإِطْلَاقِ الْأَسَدِ عَلَى الرَّجُلِ الشُّجَاعِ ; فَإِنَّهُ يَتَبَادَرُ غَيْرُهُ - وَهُوَ الْحَيَوَانُ الْمُفْتَرِسُ - إِلَى الذِّهْنِ عِنْدَ عَدَمِ الْقَرِينَةِ.
عَكْسُ الْحَقِيقَةِ، أَيْ أَنَّ الْمَدْلُولَ إِذَا تَبَادَرَ إِلَى الذِّهْنِ عِنْدَ إِطْلَاقِ اللَّفْظِ عَلَيْهِ عَارِيًا عَنِ الْقَرِينَةِ، وَلَمْ يَتَبَادَرْ غَيْرُهُ، كَانَ اللَّفْظُ حَقِيقَةً