. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
ذَهَبَ إِلَيْهِ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ. وَهُوَ أَنَّ نَفْيَ الْفِعْلِ مَقْدُورُ الْعَبْدِ وَمُكْتَسَبُهُ، وَلِهَذَا يُمْدَحُ الْمُكَلَّفُ بِتَرْكِ الزِّنَا.
وَرُدَّ هَذَا الْجَوَابُ بِأَنَّ الْفِعْلَ كَانَ مَعْدُومًا قَبْلَ وُجُودِ الْمُكَلَّفِ، وَبَعْدَهُ اسْتَمَرَّ الْعَدَمُ، وَلَمْ يَحْصُلْ بِقُدْرَتِهِ ; لِأَنَّهُ لَوْ حَصَلَ بِقُدْرَتِهِ لَكَانَ لَهُ أَثَرٌ فِي ذَلِكَ النَّفْيِ ; لِأَنَّ الْقُدْرَةَ تَقْتَضِي أَثَرًا عَقْلًا، وَلَا أَثَرَ لِلْمُكَلَّفِ فِيهِ ; لِأَنَّ نَفْيَ الْفِعْلِ بَعْدَ وُجُودِ الْمُكَلَّفِ عَلَى حَالِهِ قَبْلَ وُجُودِهِ.
ثُمَّ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَفِيَ هَذَا الرَّدِّ نَظَرٌ ; لِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ نَفْيَ الْفِعْلِ غَيْرُ مَقْدُورٍ لِلْمُكَلَّفِ. وَذَلِكَ لِأَنَّ نَفْيَ الْفِعْلِ وَإِنْ كَانَ مُتَحَقِّقًا قَبْلَ وُجُودِ الْمُكَلَّفِ، إِلَّا أَنَّهُ بَعْدَ أَنْ وُجِدَ الْمُكَلَّفُ وَدَعَاهُ نَفْسُهُ إِلَى الْفِعْلِ وَلَمْ يُطِعْهَا وَكَفَّ عَنِ الْفِعْلِ يَتْبَعُ هَذَا الْكَفَّ بَقَاءُ نَفْيِ الْفِعْلِ، وَهُوَ أَثَرُ قُدْرَةِ الْمُكَلَّفِ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نَفْيُ الْفِعْلِ مُكَلَّفًا بِهِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
[قول الْأَشْعَرِيُّ: لَا يَنْقَطِعُ التَّكْلِيفُ بِفِعْلٍ حَالَ حُدُوثِهِ]
ش - الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ فِي أَنَّ التَّكْلِيفَ بِفِعْلٍ هَلْ يَنْقَطِعُ عَنِ الْمُكَلَّفِ حَالَ حُدُوثِ الْفِعْلِ أَمْ لَا.
فَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ: لَا يَنْقَطِعُ. وَمَنَعَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْمُعْتَزِلَةُ مَذْهَبَ الشَّيْخِ، وَقَالُوا: إِنَّهُ يَنْقَطِعُ التَّكْلِيفُ بِالْفِعْلِ حَالَ حُدُوثِهِ.
وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ الْمَذْهَبَ الثَّانِيَ، وَزَيَّفَ قَوْلَ الشَّيْخِ بِأَنْ قَالَ: إِنْ أَرَادَ الشَّيْخُ بِعَدَمِ انْقِطَاعِ التَّكْلِيفِ حَالَ حُدُوثِ الْفِعْلِ أَنَّ تَعَلُّقَ التَّكْلِيفِ بِالْفِعْلِ لِنَفْسِ التَّكْلِيفِ، وَالْمُتَعَلِّقُ لِنَفْسِهِ بِالشَّيْءِ امْتَنَعَ انْقِطَاعُهُ عَنْهُ، فَيَلْزَمُ أَنْ لَا يَنْقَطِعَ التَّكْلِيفُ بَعْدَ حُدُوثِ الْفِعْلِ أَيْضًا. وَهُوَ بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ.
وَإِنْ أَرَادَ الشَّيْخُ أَنَّ تَنْجِيزَ التَّكْلِيفِ، أَيْ كَوْنَ الْمُكَلَّفِ مُكَلَّفًا بِالْإِتْيَانِ بِالْمُكَلَّفِ بِهِ، بَاقٍ حَالَ حُدُوثِ الْفِعْلِ، لَزِمَ أَنْ يَكُونَ مُكَلَّفًا بِإِيجَادِ الْمَوْجُودِ وَهُوَ مُحَالٌ. وَأَيْضًا لَوْ كَانَ التَّكْلِيفُ بِالْإِتْيَانِ بِالْمُكَلَّفِ [بِهِ] بَاقِيًا حَالَ حُدُوثِ الْفِعْلِ ; لَعَدِمَ صِحَّةَ الِابْتِلَاءِ ; لِأَنَّ الِابْتِلَاءَ إِنَّمَا يَصِحُّ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْفِعْلِ، فَيَنْتَفِي فَائِدَةُ التَّكْلِيفِ ; لِأَنَّ فَائِدَةَ التَّكْلِيفِ إِمَّا الِامْتِثَالُ أَوِ الِابْتِلَاءُ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُنْتَفٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute