. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
الْوَقَائِعِ الَّتِي لَهَا دَلِيلٌ، لَا خُلُوَّ الْوَقَائِعِ الَّتِي لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا. فَإِنَّ الْوَقَائِعَ الَّتِي لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا يَجُوزُ خُلُوُّهَا عَنِ الْحُكْمِ.
وَلَئِنْ سَلَّمْنَا صِحَّةَ نَفْيِ التَّالِي، لَكِنْ نُسَلِّمُ الْمُلَازَمَةَ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ إِلَّا خَبَرُ الْوَاحِدِ، لَزِمَ خُلُوُّ تِلْكَ الْوَقَائِعِ عَنِ الْحُكْمِ. وَإِنَّمَا يَلْزَمُ ذَلِكَ أَنْ لَوْ لَمْ يَكُنْ نَفْيُ الْحُكْمِ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ وُجُوبِ الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ حُكْمًا شَرْعِيًّا، وَهُوَ مَمْنُوعٌ.
قَوْلُهُ: " وَهُوَ مُدْرَكٌ شَرْعِيٌّ " إِشَارَةٌ إِلَى جَوَابِ دَخَلٍ مُقَدَّرٍ.
تَوْجِيهُهُ أَنْ يُقَالَ: عَدَمُ الْحُكْمِ لَيْسَ حُكْمًا شَرْعِيًّا ; لِأَنَّهُ [يَسْتَنِدُ] إِلَى عَدَمِ الدَّلِيلِ. وَعَدَمُ الدَّلِيلِ عَقْلِيٌّ. وَالْمُسْتَنِدُ إِلَى الْعَقْلِ عَقْلِيٌّ.
أُجِيبَ بِأَنَّ عَدَمَ الْحُكْمِ وَإِنْ كَانَ ثَابِتًا عِنْدَ عَدَمِ الدَّلِيلِ وَقَبْلَ الشَّرْعِ، لَكِنَّهُ بَعْدَ ثُبُوتِ الشَّرْعِ مُدْرَكٌ شَرْعِيٌّ.
[[شرائط وجوب العمل بخبر الواحد]]
[[الشرط الأول: البلوغ]]
ش - لَمَّا فَرَغَ مِنْ إِثْبَاتِ وُجُوبِ الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، شَرَعَ فِي ذِكْرِ شَرَائِطِ وُجُوبِ الْعَمَلِ بِهِ. وَهِيَ أَرْبَعَةٌ: الْأَوَّلُ: الْبُلُوغُ ; لِأَنَّ الصَّبِيَّ الْغَيْرَ الْمُمَيِّزِ لَا يَقْدِرُ عَلَى الضَّبْطِ فِيمَا يَتَحَمَّلُهُ، وَالْمُمَيِّزُ لِعِلْمِهِ بِأَنَّهُ غَيْرُ مُكَلِّفٍ لَا يَنْزَجِرُ عَنِ الْكَذِبِ، ضَرُورَةَ عَدَمِ مُؤَاخَذَتِهِ بِهِ.
وَإِذَا لَمْ يُقْبَلْ رِوَايَةُ الصَّبِيِّ، فَرِوَايَةُ الْمَجْنُونِ أَوْلَى بِأَنْ لَا يُقْبَلَ.
قَوْلُهُ: " وَإِجْمَاعُ الْمَدِينَةِ " إِشَارَةٌ إِلَى جَوَابِ دَخَلٍ مُقَدَّرٍ. تَوْجِيهُهُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ أَجْمَعُوا عَلَى قَبُولِ شَهَادَةِ الصِّبْيَانِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الدِّمَاءِ وَالْجِنَايَاتِ قَبْلَ تَفَرُّقِهِمْ. فَإِذَا كَانَ شَهَادَةُ الصِّبْيَانِ مَقْبُولَةً، فَقَبُولُ رِوَايَتِهِمْ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى.
تَقْرِيرُ الْجَوَابِ أَنْ يُقَالَ: هَذِهِ الصُّورَةُ مُسْتَثْنَاةٌ لِكَثْرَةِ وُقُوعِ الْجِنَايَةِ بَيْنَهُمْ مُنْفَرِدِينَ عَنِ الْكَامِلِينَ. وَمَسِيسُ الْحَاجَةِ إِلَى مَعْرِفَةِ ذَلِكَ. وَشَهَادَتُهُمْ مَعَ كَثْرَتِهِمْ قَرِينَةٌ دَالَّةٌ عَلَى صِدْقِ مَا أَخْبَرُوا بِهِ.
وَإِنَّمَا اشْتُرِطَ أَنْ يَكُونَ أَدَاءُ الشَّهَادَةِ قَبْلَ تَفَرُّقِهِمْ لِئَلَّا يَتَطَرَّقَ إِلَيْهَا تُهْمَةٌ بِتَلْقِينِ غَيْرِهِمْ إِيَّاهُمْ.
هَذَا إِذَا كَانَ السَّمَاعُ وَالْأَدَاءُ كِلَاهُمَا قَبْلَ الْبُلُوغِ. أَمَّا إِذَا كَانَ السَّمَاعُ قَبْلَ الْبُلُوغِ وَالرِّوَايَةُ بَعْدَهُ، فَهِيَ مَقْبُولَةٌ لِوَجْهَيْنِ: