. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
مَنْ هُوَ عَالِمٌ. وَالْمُجْتَهِدُ قَبْلَ الِاجْتِهَادِ عَالِمٌ ; لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْعِلْمِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ حَاصِلًا بِالْفِعْلِ أَوْ بِالْقُوَّةِ الْقَرِيبَةِ مِنَ الْفِعْلِ. وَالْمُجْتَهِدُ قَبْلَ الِاجْتِهَادِ حَصَلَ لَهُ الْعِلْمُ بِالْقُوَّةِ الْقَرِيبَةِ مِنَ الْفِعْلِ، فَيَكُونُ عَالِمًا، فَلَا يَكُونُ دَاخِلًا تَحْتَ الْخِطَابِ.
الثَّانِي: أَنَّ الْمُجْتَهِدَ مِنْ أَهْلِ الذِّكْرِ فَيَكُونُ مَسْئُولًا، لَا سَائِلًا، فَلَا يَكُونُ دَاخِلًا تَحْتَ الْمَأْمُورَيْنِ بِالسُّؤَالِ.
ش - الْقَائِلُ بِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ قَبْلَ الِاجْتِهَادِ يَجُوزُ أَنْ يُقَلِّدَ الصَّحَابَةَ، احْتَجَّ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ: " «أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ، بِأَيِّهِمُ اقْتَدَيْتُمِ اهْتَدَيْتُمْ» ".
وَقَدْ سَبَقَ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا، وَهُوَ أَنَّهُ خِطَابٌ مَعَ عَوَامِّ الصَّحَابَةِ.
وَقَدِ احْتَجَّ الْمُجَوِّزُ مُطْلَقًا أَيْضًا بِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي جَوَازِ الْعَمَلِ الظَّنُّ، وَهُوَ حَاصِلٌ مِنَ التَّقْلِيدِ.
أَجَابَ بِأَنَّ ظَنَّ اجْتِهَادِهِ أَقْوَى مِنَ الظَّنِّ الْحَاصِلِ بِالتَّقْلِيدِ، وَالتَّمَكُّنُ مِنَ الظَّنِّ الْأَقْوَى يَمْنَعُ التَّقْلِيدَ.
[مَسْأَلَةٌ: الْمُخْتَارُ جواز أن يقال للمجتهد احكم بما شئت]
ش - يَجُوزُ أَنْ يُفَوَّضَ الْحُكْمُ إِلَى مَشِيئَةِ الْمُجْتَهِدِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ لَهُ دَلِيلٌ يَتَمَسَّكُ بِهِ، بِأَنْ يُقَالَ لَهُ: احْكُمْ بِمَا شِئْتَ، فَهُوَ صَوَابٌ.
وَتَرَدَّدَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي جَوَازِ التَّفْوِيضِ وَعَدَمِهِ، وَجَوَّزَ بَعْضُهُمْ تَفْوِيضَ الْحُكْمِ إِلَى مَشِيئَةِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَقَطْ.
وَمِنْهُمْ مَنْ مَنَعَ التَّفْوِيضَ مُطْلَقًا، وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ الْجَوَازَ وَعَدَمَ الْوُقُوعِ.
وَاحْتَجَّ عَلَى الْجَوَازِ بِأَنَّهُ لَوِ امْتَنَعَ تَفْوِيضُ الْحُكْمِ إِلَى مَشِيئَةِ الْمُجْتَهِدِ، لَكَانَ امْتِنَاعُهُ لِغَيْرِهِ ; إِذْ لَوِ امْتَنَعَ لِذَاتِهِ، لَلَزِمَ مِنْ فَرْضِ وُقُوعِهِ مُحَالٌ، لَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْ فَرْضِ وُقُوعِهِ مُحَالٌ، فَيَثْبُتُ أَنَّهُ لَوِ امْتَنَعَ، لَكَانَ لِغَيْرِهِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْغَيْرِ.