للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[الشرح]

وَعَنِ الثَّانِي: بِأَنَّا لَا نُسَلِمُّ انْتِفَاءَ التَّالِي أَيْضًا، إِنْ أُرِيدَ بِالْحُكْمِ بِقُبْحِ هَذِهِ الْأُمُورِ الْحُكْمُ بِتَحْرِيمِهَا بِحَسَبِ الشَّرْعِ ; لِأَنَّا نَلْتَزِمُ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ الْحُكْمُ بِقُبْحِ هَذِهِ الْأُمُورِ بِحَسْبِ الشَّرْعِ قَبْلَ ظُهُورِ الشَّرِيعَةِ.

وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الْحُكْمُ بِتَحْرِيمِهِ بِحَسْبِ الْعَقْلِ فَلَا مَجَالَ لَهُ عِنْدَنَا ; إِذْ لَا نَقُولُ بِهِ.

[مَسْأَلَتَانِ عَلَى التَّنَزُّلِ]

ش - اعْلَمْ أَنَّ وُجُوبَ شُكْرِ الْمُنْعِمِ عَقْلًا، وَحُكْمَ الْأَشْيَاءِ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ نَوْعَانِ عَلَى ثُبُوتِ قَاعِدَةِ الْحُسْنِ وَالْقُبْحِ الْعَقْلِيَّيْنِ، وَبُطْلَانُهَا يُوجِبُ بُطْلَانَهُمَا. إِلَّا أَنَّ الْأَصْحَابَ عَادَتُهُمْ أَنْ يُسَلِّمُوا تِلْكَ الْقَاعِدَةَ وَيُثْبِتُوا إِبْطَالَ قَوْلِ الْمُعْتَزِلَةِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ عَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِ الْقَاعِدَةِ الْمَذْكُورَةِ إِظْهَارًا لِسُقُوطِ كَلَامِهِمْ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ. فَلِهَذَا يُقَالُ لِهَذَيْنِ الْفَرْعَيْنِ مَسْأَلَتَانِ عَلَى التَّنَزُّلِ.

وَمَعْنَى التَّنَزُّلِ هَهُنَا: الِانْتِقَالُ مِنْ [مَذْهَبِ] الْحَقِّ الَّذِي هُوَ أَعْلَى مَرْتَبَةٍ إِلَى مَذْهَبِهِمُ الْبَاطِلِ الَّذِي هُوَ فِي غَايَةِ الِانْخِفَاضِ.

[[وجوب شكر المنعم]]

ش - الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فِي أَنَّ شُكْرَ الْمُنْعِمِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَقْلًا. وَشُكْرُ الْمُنْعِمِ عِبَارَةٌ عَنِ اسْتِعْمَالِ جَمِيعِ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ بِهِ عَلَى الْعَبْدِ مِنَ الْقُوَى وَالْأَعْضَاءِ، ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً مُدْرَكَةً وَمُحَرَّكَةً، فِيمَا خَلَقَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِأَجْلِهِ، كَاسْتِعْمَالِ النَّظَرِ فِي مُشَاهَدَةِ مَصْنُوعَاتِهِ وَآثَارِ رَحْمَتِهِ لِيَسْتَدِلَّ عَلَى صَانِعِهَا.

وَتَوْجِيهُ الدَّلِيلِ أَنْ يُقَالَ: لَوْ وَجَبَ شُكْرُ الْمُنْعِمِ عَقْلًا، لَوَجَبَ لِفَائِدَةٍ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ فَالْمُقَدَّمُ مِثْلُهُ. أَمَّا الْمُلَازَمَةُ فَلِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ لَا لِفَائِدَةٍ لَكَانَ عَبَثًا، وَهُوَ قَبِيحٌ عَقْلًا.

وَأَمَّا بَيَانُ انْتِفَاءِ التَّالِي فَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لِفَائِدَةٍ لَكَانَتْ تِلْكَ الْفَائِدَةُ إِمَّا لِلْمَشْكُورِ، وَهُوَ بَاطِلٌ لِتَعَالِيهِ عَنِ الْفَائِدَةِ.

أَوْ لِلْعَبْدِ فِي الدُّنْيَا وَهُوَ بَاطِلٌ ; لِأَنَّ الشُّكْرَ الَّذِي هُوَ الْقِيَامُ بِاسْتِعْمَالِ جَمِيعِ مَا أَعْطَاهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الْقُوَى وَالْأَعْضَاءِ فِيمَا خَلَقَ اللَّهُ لِأَجْلِهِ، مَشَقَّةٌ عَظِيمَةٌ، وَلَا حَظَّ لِلنَّفْسِ فِيهِ.

أَوْ فِي الْآخِرَةِ، وَهُوَ بَاطِلٌ ; إِذْ لَا مَجَالَ لِلْعَقْلِ فِي ذَلِكَ، أَيْ لَا جَزْمَ لِلْعَقْلِ فِي حُصُولِ الْفَائِدَةِ الْأُخْرَوِيَّةِ ; لِأَنَّ الْجَزْمَ بِحُصُولِ الْفَائِدَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>