. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
وَقَالَ الْبَاقُونَ: نَعَمْ. وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ.
وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْأَسَدَ يُسْتَعْمَلُ لِلشُّجَاعِ، وَالْحِمَارَ لِلْبَلِيدِ، وَشَابَتْ لُمَّةُ اللَّيْلِ لِظُهُورِ الصُّبْحِ. فَاسْتِعْمَالُ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ فِي هَذِهِ الْمَعَانِي إِمَّا بِطْرِيقِ الْحَقِيقَةِ أَوْ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ ; إِذْ لَا قَائِلَ بِالْفَصْلِ.
وَالْأَوَّلُ مُنْتَفٍ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي مَعَانٍ أُخَرَ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ. فَلَوْ كَانَ اسْتِعْمَالُهَا فِي هَذِهِ الْمَعَانِي بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ أَيْضًا، يَلْزَمُ الِاشْتِرَاكُ، وَهُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ.
فَإِنْ قِيلَ: الْمَجَازُ أَيْضًا خِلَافُ الْأَصْلِ. أُجِيبَ: بِأَنَّهُ أَوْلَى مِنْ الِاشْتِرَاكِ لِمَا مَرَّ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ حَقِيقَةً فِي هَذِهِ الْمَعَانِي، لَكَانَتْ سَابِقَةً إِلَى الْفَهْمِ عِنْدَ عَدَمِ الْقَرِينَةِ، إِنْ كَانَتْ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْغَيْرِ مَجَازًا. أَوْ لَمْ يَسْبِقِ الْغَيْرُ إِلَى الْفَهْمِ، إِنْ كَانَتْ حَقِيقَةً فِيهِ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ ; لِأَنَّ عِنْدَ عَدَمِ الْقَرِينَةِ يَتَبَادَرُ الذِّهْنُ إِلَى الْفَهْمِ.
ش - قَالَ الْمُخَالِفُ، أَيِ الْأُسْتَاذُ: لَوْ كَانَ الْمَجَازُ وَاقِعًا لَاخْتَلَّ التَّفَاهُمُ وَالتَّالِي بَاطِلٌ فَالْمُقَدَّمُ مِثْلُهُ.
بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّ اللَّفْظَ إِذَا أُطْلِقَ وَأُرِيدَ [بِهِ] مَفْهُومُهُ الْمَجَازِيُّ، فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُ قَرِينَةٌ تُشْعِرُ بِأَنَّهُ هُوَ الْمُرَادُ، أَوْ لَا] ) . فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَيَجُوزُ أَنْ يَذْهَلَ الْمُخَاطَبُ عَنِ الْقَرِينَةِ فَلَا يَفْهَمَ الْمُرَادَ. وَإِنْ كَانَ الثَّانِي يَلْزَمُ الِاخْتِلَالُ ; لِأَنَّهُ إِذَا تَجَرَّدَ عَنِ الْقَرِينَةِ، يَتَبَادَرُ الْمَفْهُومُ الْحَقِيقِيُّ إِلَى الذِّهْنِ، وَهُوَ غَيْرُ الْمُرَادِ.
أَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ بِأَنَّ هَذَا الدَّلِيلَ يَدُلُّ عَلَى اسْتِبْعَادِ وُقُوعِ الْمَجَازِ ; لِأَنَّهُ يَلْزَمُ إِمَّا الِاخْتِلَالُ أَوْ جَوَازُ عَدَمِ فَهْمِ الْمُرَادِ، وَلَا يَدُلُّ عَلَى امْتِنَاعِهِ.
[[وقوع المجاز في القرآن]]
ش - الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ فِي أَنَّ الْمَجَازَ - عَلَى تَقْدِيرِ وُقُوعِهِ فِي اللُّغَةِ - هَلْ هُوَ وَاقِعٌ فِي الْقُرْآنِ؟ فَقَالَ الظَّاهِرِيُّونَ، أَعْنِي الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْقُرْآنَ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَلَا يُؤَوِّلُونَهُ أَصْلًا: لَا. وَقَالَ الْمُحَقِّقُونَ: نَعَمْ.
وَالْوَاوُ فِي قَوْلِهِ " وَهُوَ فِي الْقُرْآنِ " لِلْحَالِ. وَالْجُمْلَةُ الْمَذْكُورَةُ بَعْدَهَا حَالٌ عَنِ الضَّمِيرِ فِي اسْمِ الْفَاعِلِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: " وَاقِعٌ " فِي قَوْلِهِ: " الْمَجَازُ وَاقِعٌ " وَالْعَامِلُ اسْمُ الْفَاعِلِ. وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ مَذْهَبُ الْمُحَقِّقِينَ.
وَالدَّلِيلُ عَلَى وُقُوعِهِ فِي الْقُرْآنِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: ١١] مَجَازٌ ; لِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ أَوَّلًا لِنَفْيِ مِثْلِ مِثْلِهِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ.
وَأُرِيدَ هَهُنَا نَفْيُ الْمِثْلِ، وَإِلَّا لَمْ يَحْصُلِ الْمَقْصُودُ، وَهُوَ بَيَانُ تَفَرُّدِهِ فِي ذَاتِهِ، وَنَفْيُ الْمِثْلِ عَنْهُ. لِأَنَّ نَفْيَ مِثْلِ الْمِثْلِ لَا يُوجِبُ نَفْيَ الْمِثْلِ. بَلْ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ مِنْهُ نَفْيُ مِثْلِ الْمِثْلِ يَلْزَمُ الْمُحَالُ ; لِأَنَّهُ يَلْزَمُ نَفْيُهُ. تَعَالَى عَمَّا يَقُولُ الظَّالِمُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا ; لِأَنَّهُ تَعَالَى مَثَّلَ لِمِثْلِهِ.
لَا يُقَالُ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ تَعَالَى مَثَّلَ لِمِثْلِهِ ; لِأَنَّ الْحُكْمَ بِكَوْنِهِ مَثَلًا لِمِثْلِهِ، إِنَّمَا يُتَصَوَّرُ بَعْدَ ثُبُوتِ مِثْلِهِ، وَثُبُوتُ مِثْلِهِ مُحَالٌ. لِأَنَّا نَقُولُ: ثُبُوتُ