ثَالِثُهَا: لَا يُفِيدُ بِمُجَرَّدِهِ قَطْعًا وَلَا ظَنًّا.
لَنَا: أَنَّ الْوَصْفَ الْمُتَّصِفَ بِذَلِكَ إِذَا خَلَا عَنِ السَّبْرِ، أَوْ عَنْ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ غَيْرِهِ، أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ، جَازَ أَنْ يَكُونَ مُلَازِمًا لِلْعِلَّةِ، كَرَائِحَةِ الْمُسْكِرِ، فَلَا قَطْعَ وَلَا ظَنَّ.
وَاسْتَدَلَّ الْغَزَالِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِأَنَّ الِاطِّرَادَ: سَلَامَتُهُ مِنَ النَّقْضِ، وَسَلَامَتُهُ مِنْ مُفْسِدٍ وَاحِدٍ لَا تُوجِبُ انْتِفَاءَ كُلِّ مُفْسِدٍ.
وَلَوْ سُلِّمَ، فَلَا صِحَّةَ إِلَّا بِمُصَحِّحٍ، وَالْعَكْسُ لَيْسَ شَرْطًا فِيهَا، فَلَا يُؤَثِّرُ.
وَأُجِيبَ: قَدْ يَكُونُ لِلِاجْتِمَاعِ تَأْثِيرٌ، كَأَجْزَاءِ الْعِلَّةِ، وَاسْتَدَلَّ بِأَنَّ الدَّوَرَانَ فِي الْمُتَضَايِفَيْنِ، وَلَا عِلَّةَ.
وَأُجِيبَ: انْتَفَتْ بِدَلِيلٍ خَاصٍّ مَانِعٍ.
ص - قَالُوا: إِذَا حَصَلَ الدَّوَرَانُ، وَلَا مَانِعَ مِنَ الْعِلِّيَّةِ، حَصَلَ الْعِلْمُ أَوِ الظَّنُّ عَادَةً.
كَمَا لَوْ دُعِيَ إِنْسَانٌ بَاسِمٍ فَغَضِبَ، ثُمَّ تُرِكَ فَلَمْ يَغْضَبْ، وَتَكَرَّرَ ذَلِكَ، عُلِمَ أَنَّهُ سَبَبُ الْغَضَبِ حَتَّى إِنَّ الْأَطْفَالَ يَعْلَمُونَ ذَلِكَ.
قُلْنَا: لَوْلَا انْتِفَاءُ غَيْرِ ذَلِكَ بِبَحْثٍ، أَوْ بِأَنَّهُ الْأَصْلُ، لَمْ يُظَنَّ وَهُوَ طَرِيقٌ مُسْتَقِلٌّ، وَيَقْوَى بِذَلِكَ.
ص - وَالْقِيَاسُ جَلِيٌّ وَخَفِيٌّ.
فَالْجَلِيُّ: مَا قُطِعَ بِنَفْيِ الْفَارِقِ فِيهِ، كَالْأَمَةِ وَالْعَبْدِ فِي الْعِتْقِ، وَيَنْقَسِمُ إِلَى قِيَاسِ عِلَّةٍ، وَقِيَاسِ دَلَالَةٍ، وَقِيَاسٍ فِي مَعْنَى الْأَصْلِ.
فَالْأَوَّلُ: مَا صُرِّحَ فِيهِ بِالْعِلَّةِ.
وَالثَّانِي: مَا يُجْمَعُ فِيهِ بِمَا يُلَازِمُهَا، كَمَا لَوْ جَمَعَ بِأَحَدِ مُوجِبَيِ الْعِلَّةِ فِي الْأَصْلِ لِمُلَازَمَةِ الْآخَرِ، كَقِيَاسِ قَطْعِ الْجَمَاعَةِ بِالْوَاحِدِ، عَلَى قَتْلِهَا بِالْوَاحِدِ، بِوَاسِطَةِ الِاشْتِرَاكِ فِي وُجُوبِ الدِّيَةِ عَلَيْهِمْ.
وَالثَّالِثُ: الْجَمْعُ يَنْفِي الْفَارِقَ.
ص - (مَسْأَلَةٌ) : يَجُوزُ التَّعَبُّدُ بِالْقِيَاسِ، خِلَافًا لِلشِّيعَةِ وَالنَّظَّامِ وَبَعْضِ الْمُعْتَزِلَةِ.
وَقَالَ الْقَفَّالُ وَأَبُو الْحُسَيْنِ: يَجِبُ عَقْلًا.
لَنَا: الْقَطْعُ بِالْجَوَازِ، وَأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجُزْ، لَمْ يَقَعْ، وَسَيَأْتِي.
ص - قَالُوا: الْعَقْلُ يَمْنَعُ مَا لَا يُؤْمَنُ فِيهِ الْخَطَأُ، وَرَدَّ بِأَنَّ مَنْعَهُ هُنَا لَيْسَ إِحَالَةً، وَلَوْ سُلِّمَ، فَإِذَا ظَنَّ الصَّوَابَ، لَا يَمْنَعُ.
قَالُوا: قَدْ عُلِمَ الْأَمْرُ بِمُخَالَفَةِ الظَّنِّ، كَالشَّاهِدِ الْوَاحِدِ وَالْعَبِيدِ وَرَضِيعَةٍ فِي عَشْرِ أَجْنَبِيَّاتٍ.
قُلْنَا: بَلْ قَدْ عُلِمَ خِلَافُهُ كَخَبَرِ الْوَاحِدِ وَظَاهِرِ الْكِتَابِ
ــ
[الشرح]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .