ص - (مَسْأَلَةٌ) : الْمَسْأَلَةُ الَّتِي لَا قَاطِعَ فِيهَا، قَالَ الْقَاضِي وَالْجِبَائِيُّ: كُلُّ مُجْتَهِدٍ فِيهَا مُصِيبٌ، وَحُكْمُ اللَّهِ فِيهَا تَابِعٌ لِظَنِّ الْمُجْتَهِدِ.
وَقِيلَ: الْمُصِيبُ وَاحِدٌ. ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ، كَدَفِينٍ يُصَابُ.
وَقَالَ الْأُسْتَاذُ: إِنَّ دَلِيلَهُ ظَنِّيٌّ، فَمَنْ ظَفِرَ بِهِ، فَهُوَ الْمُصِيبُ.
وَقَالَ الْمَرِيسِيُّ وَالْأَصَمُّ: دَلِيلُهُ قَطْعِيٌّ، وَالْمُخْطِئُ آثِمٌ.
وَنُقِلَ عَنِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ التَّخْطِئَةُ وَالتَّصْوِيبُ. فَإِنْ كَانَ فِيهَا قَاطِعٌ، فَقَصَّرَ، فَمُخْطِئٌ آثِمٌ ; وَإِنْ لَمْ يُقَصِّرْ، فَالْمُخْتَارُ مُخْطِئٌ غَيْرُ آثِمٍ.
لَنَا: لَا دَلِيلَ عَلَى التَّصْوِيبِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ.
وَصُوِّبَ غَيْرُ مُعَيَّنٍ لِلْإِجْمَاعِ.
وَأَيْضًا: لَوْ كَانَ مُصِيبًا لَاجْتَمَعَ النَّقِيضَانِ ; لِأَنَّ اسْتِمْرَارَ قَطْعُهُ مَشْرُوطٌ بِبَقَاءِ ظَنِّهِ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ ظَنَّ غَيْرَهُ، لَوَجَبَ الرُّجُوعُ، فَيَكُونُ ظَانًّا عَالِمًا بِشَيْءٍ وَاحِدٍ.
ص - لَا يُقَالُ: الظَّنُّ يَنْتَفِي بِالْعِلْمِ ; لِأَنَّا نَقْطَعُ بِبَقَائِهِ ; وَلِأَنَّهُ كَانَ يَسْتَحِيلُ ظَنُّ النَّقِيضِ مَعَ ذِكْرِهِ.
فَإِنْ قِيلَ: مُشْتَرَكُ الْإِلْزَامِ ; لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ عَلَى وُجُوبِ اتِّبَاعِ الظَّنِّ. فَيَجِبُ الْفِعْلُ أَوْ يَحْرُمُ قَطْعًا، قُلْنَا: الظَّنُّ مُتَعَلِّقٌ بِأَنَّهُ الْحُكْمُ الْمَطْلُوبُ، وَالْعِلْمُ بِتَحْرِيمِ الْمُخَالِفَةِ، فَاخْتَلَفَ الْمُتَعَلِّقَانِ، فَإِذَا تَبَدَّلَ الظَّنُّ، زَالَ شَرْطُ تَحْرِيمِ الْمُخَالَفَةِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَالظَّنُّ مُتَعَلِّقٌ بِكَوْنِهِ دَلِيلًا، وَالْعِلْمُ بِثُبُوتِ مَدْلُولِهِ، فَإِذَا تَبَدَّلَ الظَّنُّ، زَالَ شَرْطُ ثُبُوتِ الْحُكْمِ.
قُلْنَا: كَوْنُهُ دَلِيلًا حُكْمٌ أَيْضًا، فَإِذَا ظَنَّهُ عَلِمَهُ، وَإِلَّا جَازَ أَنْ يَكُونَ الْمُتَعَبَّدُ بِهِ غَيْرَهُ، فَلَا يَكُونُ كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبًا.
ص - وَأَيْضًا: أَطْلَقَ الصَّحَابَةُ الْخَطَأَ فِي الِاجْتِهَادِ كَثِيرًا، وَشَاعَ وَتَكَرَّرَ، وَلَمْ يُنْكَرْ.
عَنْ عَلِيٍّ وَزَيْدٍ وَغَيْرِهِمَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَنَّهُمْ خَطَّئُوا ابْنَ عَبَّاسٍ فِي تَرْكِ الْعَوْلِ، وَخَطَّأَهُمْ وَقَالَ: مَنْ بَاهَلَنِي بَاهَلْتُهُ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ فِي مَالِ وَاحِدٍ نِصْفًا وَنِصْفًا وَثُلُثًا.
ص - وَاسْتَدَلَّ: إِنْ كَانَا بِدَلِيلَيْنِ، فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا رَاجِحًا، تَعَيَّنَ، وَإِلَّا تَسَاقَطَا.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْأَمَارَاتِ تَتَرَجَّحُ بِالنَّسَبِ، فَكُلٌّ رَاجِحٌ، وَاسْتُدِلَّ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى شَرْعِ الْمُنَاظَرَةِ، فَلَوْلَا تَبْيِينُ الصَّوَابِ، لَمْ تَكُنْ فَائِدَةٌ.
وَأُجِيبَ: بِتَبْيِينِ التَّرْجِيحِ أَوِ التَّسَاوِي أَوِ التَّمْرِينِ.
وَاسْتَدَلَّ بِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ طَالِبٌ، وَلَا مَطْلُوبٌ مُحَالٌ، فَمَنْ أَخْطَأَهُ، فَهُوَ مُخْطِئٌ قَطْعًا.
وَأُجِيبَ: مَطْلُوبُهُ مَا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ، فَيَحْصُلُ وَإِنْ كَانَ مُخْتَلِفًا.
ــ
[الشرح]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .