. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: إِنَّ حُسْنَ الْفِعْلِ وَقُبْحَهُ لِأَجْلِ صِفَةٍ زَائِدَةٍ عَلَى الْفِعْلِ لَازِمَةٍ لَهُ تَقْتَضِي تِلْكَ الصِّفَةُ اللَّازِمَةُ حُسْنَ الْفِعْلِ أَوْ قُبْحَهُ.
مَثَلًا الزِّنَا قَبِيحٌ ; لِأَنَّهُ مُشْتَمِلٌ عَلَى مَفْسَدَةِ اخْتِلَاطِ النَّسَبِ الْمُفْضِي إِلَى تَرْكِ تَعَهُّدِ الْأَوْلَادِ. وَالصَّوْمُ حَسَنٌ ; لِأَنَّهُ مُكَسِّرٌ لِلْقُوَّةِ الشَّهْوَانِيَّةِ الْبَاعِثَةِ عَلَى الْمَفْسَدَةِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ الْفِعْلَ الْقَبِيحَ مُتَّصِفٌ بِصِفَةٍ تُوجِبُ قُبْحَهُ دُونَ الْفِعْلِ الْحَسَنِ ; فَإِنَّهُ لِذَاتِهِ يَقْتَضِي الْحُسْنَ ; لِأَنَّ الْفِعْلَ إِنْ كَانَ فِيهِ مَا يَكُونُ مُؤَدِّيًا إِلَى الْمَفْسَدَةِ يَكُونُ قَبِيحًا، وَإِلَّا فَحَسَنًا.
وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْجِبَائِيُّ وَأَتْبَاعُهُ: إِنَّ الْأَفْعَالَ حَسَنَةٌ وَقَبِيحَةٌ بِوُجُوهٍ وَاعْتِبَارَاتٍ، كَالْمُوَاقَعَةِ بَيْنَ شَخْصَيْنِ بِلَا نِكَاحٍ وَلَا مِلْكٍ، فَإِنَّهُ إِذَا تَحَقَّقَ الِاشْتِبَاهُ مِنَ الْجَانِبَيْنِ يَكُونُ حَسَنًا بِهَذَا الِاعْتِبَارِ، وَإِذَا لَمْ يَتَحَقَّقْ الِاشْتِبَاهُ أَصْلًا، كَانَ قَبِيحًا بِهَذَا الِاعْتِبَارِ، وَإِذَا تَحَقَّقَ الِاشْتِبَاهُ مِنْ جَانِبٍ دُونَ آخَرَ فَهُوَ حَسَنٌ فِي حَقِّ مَنِ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ، قَبِيحٌ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَشْتَبِهْ عَلَيْهِ.
ش - لَمَّا فَرَغَ مِنْ تَحْرِيرِ الْمَبْحَثِ، احْتَجَّ بِالدَّلِيلَيْنِ عَلَى أَنَّ الْحُسْنَ وَالْقُبْحَ لَيْسَا بِذَاتِيَّيْنِ لِلْفِعْلِ.
الْأَوَّلُ: لَوْ كَانَ الْفِعْلُ يَقْتَضِي الْحُسْنَ أَوِ الْقُبْحَ لِذَاتِهِ أَوْ لَوَصْفٍ هُوَ مُقْتَضَى ذَاتِهِ، لَمَا اخْتَلَفَ، أَيْ لَمَا صَارَ الْفِعْلُ الْحَسَنُ قَبِيحًا وَبِالْعَكْسِ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ، فَالْمُقَدَّمُ مِثْلُهُ.
بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّ طَبِيعَةَ الْفِعْلِ إِذَا اقْتَضَى الْحُسْنَ لِذَاتِهِ أَوْ لِوَصْفٍ هُوَ مُقْتَضَاهُ، لَتَحَقَّقَ الْحُسْنُ عِنْدَ تَحَقُّقِ الْفِعْلِ ; لِأَنَّ مُقْتَضَى الذَّاتِ لَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا. وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ امْتَنَعَ أَنْ يَصِيرَ قَبِيحًا.
وَأَمَّا بُطْلَانُ التَّالِي; فَلِأَنَّ الْكَذِبَ قَدْ يَكُونُ حَسَنًا. وَذَلِكَ حَيْثُ يَكُونُ مُتَضَمِّنًا لِعِصْمَةِ نَبِيٍّ.
وَكَذَلِكَ الْقَتْلُ وَالضَّرْبُ. وَذَلِكَ حَيْثُ يَكُونُ الْقَتْلُ لِلْقِصَاصِ وَالضَّرْبُ لِلْحَدِّ.
الثَّانِي أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْحُسْنُ وَالْقُبْحُ ذَاتِيِّينَ لِلْفِعْلِ، لَاجْتَمَعَ النَّقِيضَانِ فِي صِدْقِ قَوْلِ مَنْ قَالَ: لَأَكْذِبَنَّ غَدًا، وَكَذَا فِي كَذِبِهِ، وَالتَّالِي بَاطِلٌ فَالْمُقَدَّمُ مِثْلُهُ.
بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّهُ إِذَا قَالَ: لَأَكْذِبَنَّ غَدًا، فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكْذِبَ غَدًا أَوْ يَصْدُقَ.