. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
وَقَدْ يَكُونُ مُنْقَسِمًا إِلَى الثُّبُوتِيِّ وَالْعَدَمِيِّ، كَالِامْتِنَاعِ، فَإِنَّهُ يَصْدُقُ عَلَى الْمُمْكِنِ الْمَوْجُودِ وَيَصْدُقُ عَلَى الْمَعْدُومِ الْمُمْكِنِ.
وَإِذَا جَازَ أَنْ يَكُونَ صُورَةُ النَّفْيِ ثُبُوتِيَّةً أَوْ مُنْقَسِمَةً إِلَى الثُّبُوتِيِّ وَالْعَدَمِيِّ، فَمَا لَمْ يَثْبُتْ كَوْنُ نَقِيضِهِ مَوْجُودًا لَمْ يَلْزَمْ كَوْنُهُ عَدَمِيًّا، فَلَا يُفِيدُ الِاسْتِدْلَالُ بِمُجَرَّدِ صُورَةِ النَّفْيِ كَوْنَ الْحُسْنِ مَوْجُودًا.
أَقُولُ: النَّقْضُ التَّفْصِيلِيُّ الْمَذْكُورُ مُخْتَصٌّ بِالْأَوَّلِ مِنَ الدَّلِيلَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ عَلَى أَنَّ الْحُسْنَ مَوْجُودٌ.
وَأَمَّا النَّقْضُ التَّفْصِيلِيُّ لِلدَّلِيلِ الثَّانِي [فَهُوَ أَنْ] يُقَالُ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْحُسْنَ لَوْ كَانَ عَدَمِيًّا لَمْ يَكُنْ ذَاتِيًّا لِلْفِعْلِ.
قَوْلُهُ: " لِأَنَّ الْعَدَمِيَّ لَيْسَ مِنَ الصِّفَاتِ الذَّاتِيَّةِ لِلشَّيْءِ ". قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ ; فَإِنَّ كُلَّ أَمْرٍ يَكُونُ مُقْتَضِيًا لِاتِّصَافِهِ بِنَقِيضِ مُبَايِنِهِ ; فَإِنَّ الْإِنْسَانَ يَكُونُ مُقْتَضِيًا لِاتِّصَافِهِ بِكَوْنِهِ لَا فَرَسًا.
ش - هَذَا اسْتِدْلَالٌ آخَرُ عَلَى أَنَّ الْحُسْنَ وَالْقُبْحَ لَيْسَا بِذَاتِيِّينَ لِلْفِعْلِ. تَقْرِيرُهُ أَنَّ فِعْلَ الْعَبْدِ غَيْرُ مُخْتَارٍ، وَكُلُّ مَا لَيْسَ بِمُخْتَارٍ، لَا يَكُونُ حَسَنًا وَلَا قَبِيحًا لِذَاتِهِ، فَلَا يَكُونُ فِعْلُ الْعَبْدِ حَسَنًا وَلَا قَبِيحًا لِذَاتِهِ.
أَمَّا الْكُبْرَى فَبِالْإِجْمَاعِ ; فَإِنَّ الْقَائِلِينَ بِالْحُسْنِ الْعَقْلِيِّ وَقُبْحِهِ يَقُولُونَ: إِنَّ الْفِعْلَ إِنَّمَا يَكُونُ حَسَنًا أَوْ قَبِيحًا إِذَا صَدَرَ عَنِ اخْتِيَارٍ.
وَالْمُصَنِّفُ قَدْ حَذَفَ الْكُبْرَى وَأَشَارَ إِلَى صِدْقِهَا بِقَوْلِهِ: " إِجْمَاعًا ". وَأَمَّا بَيَانُ الصُّغْرَى فَلِأَنَّ فِعْلَ الْعَبْدِ إِنْ كَانَ لَازِمًا، أَيْ لَا يَكُونُ الْعَبْدُ مُتَمَكِّنًا مِنْ تَرْكِهِ، فَوَاضِحٌ كَوْنُهُ غَيْرَ مُخْتَارٍ ; لِأَنَّ مَا لَا يَتَمَكَّنُ الْعَبْدُ مِنْ تَرْكِهِ، يَكُونُ صُدُورُهُ عَنْهُ ضَرُورِيًّا، وَالضَّرُورِيُّ لَا يَكُونُ مُخْتَارًا.
وَإِنْ كَانَ جَائِزًا، أَيْ يَتَمَكَّنُ الْعَبْدُ مِنْ تَرْكِهِ، فَإِنِ افْتَقَرَ إِلَى مُرَجِّحٍ عَادَ التَّقْسِيمُ فِيهِ بِأَنْ يُقَالَ: إِنَّ الْفِعْلَ مَعَ ذَلِكَ الْمُرَجِّحِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ لَازِمًا أَوْ جَائِزًا، فَإِنْ كَانَ لَازِمًا، ثَبَتَ كَوْنُهُ ضَرُورِيًّا، وَإِنْ كَانَ جَائِزًا عَادَ التَّقْسِيمُ. فَإِمَّا أَنْ يَنْتَهِيَ إِلَى مَا لَا يَكُونُ لَازِمًا فَيَكُونُ ضَرُورِيًّا أَوْ إِلَى مَا لَا يَفْتَقِرُ إِلَى مُرَجِّحٍ فَيَكُونُ اتِّفَاقِيًّا، أَوْ يَتَسَلْسَلُ، وَهُوَ مُحَالٌ.
" وَإِلَّا " أَيْ وَإِنْ لَمْ يَفْتَقِرِ الْفِعْلُ إِلَى مُرَجِّحٍ فَهُوَ اتِّفَاقِيٌّ; لِأَنَّ صُدُورَ الْفِعْلِ حِينَئِذٍ فِي زَمَانٍ دُونَ آخَرَ لَا لِمُرَجِّحٍ مَعَ إِمْكَانِ صُدُورِهِ فِي جَمِيعِ الْأَزْمَانِ، يَكُونُ اتِّفَاقِيًّا.
ش - ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَوَّلًا ضَعْفَ الِاسْتِدْلَالِ الْمَذْكُورِ بِثَلَاثَةِ وُجُوهٍ جَدَلِيَّةٍ. ثُمَّ ذَكَرَ تَحْقِيقَ الْحَقِّ فِي مُرَجِّحِ الْفِعْلِ.
الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: أَنَّ مَا ذَكَرْتُمُ اسْتِدْلَالٌ عَلَى مَا عُلِمَ بُطْلَانُهُ بِالضَّرُورَةِ، فَيَكُونُ تَشْكِيكًا فِي الضَّرُورِيَّاتِ، وَالتَّشْكِيكُ فِي الضَّرُورِيَّاتِ لَا يَسْتَحِقُّ الْجَوَابَ.
وَإِنَّمَا قُلْنَا: اسْتِدْلَالٌ عَلَى مَا عُلِمَ بُطْلَانُهُ بِالضَّرُورَةِ ; لِأَنَّا نَجِدُ التَّفْرِقَةَ بَيْنَ الْأَفْعَالِ الضَّرُورِيَّةِ وَالِاخْتِيَارِيَّةِ بِضَرُورَةِ الْعَقْلِ. فَإِنَّ الْأَفْعَالَ الضَّرُورِيَّةَ تَصْدُرُ عَنِ الْعَبْدِ، وَإِنْ أَبَى عَنْهُ، كَحَرَكَةِ الْإِنْسَانِ إِلَى أَسْفَلَ بِالْقَسْرِ. وَالِاخْتِيَارِيَّةُ لَا تَصْدُرُ عَنْهُ إِنْ أَبَى، كَحَرَكَتِهِ بِالْإِرَادَةِ فِي السُّطُوحِ الْمُسْتَوِيَةِ. فَالِاسْتِدْلَالُ عَلَى أَنَّ فِعْلَ الْعَبْدِ غَيْرُ مُخْتَارٍ، اسْتِدْلَالٌ عَلَى مَا عُلِمَ بُطْلَانُهُ بِالضَّرُورَةِ.
الثَّانِي أَنَّهُ لَوْ كَانَ الدَّلِيلُ الَّذِي ذَكَرْتُمْ عَلَى أَنَّ فِعْلَ الْعَبْدِ غَيْرُ