للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[الشرح]

هُوَ وَاحِدٌ، لَا تَعَدُّدَ فِيهِ. وَالْمُخَيَّرُ فِيهِ لَا يَكُونُ مُعَيَّنًا مِنْ حَيْثُ هُوَ مُتَعَدِّدٌ.

قَوْلُهُ: " وَالتَّعَدُّدُ " إِشَارَةٌ إِلَى دَلِيلٍ آخَرَ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ وَالْمُخَيَّرَ فِيهِ لَا يَتَّحِدَانِ.

وَتَوْجِيهُهُ أَنَّ الْوُجُوبَ وَالتَّخْيِيرَ يَتَعَدَّدَانِ. وَتُعَدُّدُ الْمُتَعَلِّقِينَ يَأْبَى أَنْ يَكُونَ الْمُتَعَلِّقَانِ، أَيِ الْوَاجِبَ وَالْمُخَيَّرَ فِيهِ وَاحِدًا. كَمَا لَوْ حَرَّمَ الشَّارِعُ وَاحِدًا، وَأَوْجَبَ آخَرَ. فَإِنَّ تَعَدُّدَ الْوُجُوبِ وَالْحُرْمَةِ يَأْبَى أَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقَاهُمَا - أَيِ الْوَاجِبُ وَالْحَرَامُ - وَاحِدًا. وَإِذَا كَانَ الْوَاجِبُ غَيْرَ الْمُخَيَّرِ فِيهِ، لَمْ يَجِبْ أَنْ يَكُونَ الْمُخَيَّرُ فِيهِ وَاحِدًا لَا بِعَيْنِهِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ الْوَاجِبُ وَاحِدًا لَا بِعَيْنِهِ.

وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَعَدُّدِ الْمُخَيَّرِ فِيهِ وَالْوَاجِبُ، التَّخْيِيرُ بَيْنَ وَاجِبٍ وَغَيْرِ وَاجِبٍ ; لِأَنَّ التَّخْيِيرَ لَا يَكُونُ بَيْنَ الْوَاجِبِ الَّذِي هُوَ أَحَدُهَا لَا بِعَيْنِهِ، وَبَيْنَ غَيْرِهِ، بَلِ التَّخْيِيرُ بَيْنَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الثَّلَاثَةِ عَلَى التَّعْيِينِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى التَّعْيِينِ غَيْرُ وَاجِبٍ.

ش - هَذَا دَلِيلٌ آخَرُ لِلْمُعْتَزِلَةِ عَلَى أَنَّ الْكُلَّ وَاجِبٌ. تَقْرِيرُهُ أَنْ يُقَالَ: الْوَاجِبُ الْمُخَيَّرُ يَعُمُّ الْجَمِيعَ وَيَسْقُطُ بِفِعْلِ الْبَعْضِ قِيَاسًا عَلَى الْوَاجِبِ عَلَى الْكِفَايَةِ، فَإِنَّهُ يَعُمُّ جَمِيعَ الْمُكَلَّفِينَ وَيَسْقُطُ بِفِعْلِ الْبَعْضِ عَنْهُمْ. وَالْجَامِعُ اشْتِرَاكُهُمَا فِي الْوُجُوبِ مَعَ سُقُوطِ الْوُجُوبِ بِفِعْلِ الْبَعْضِ. وَوُرُودُ النَّصِّ بِلَفْظِ التَّخْيِيرِ لَا يُنَافِي عُمُومَ الْوُجُوبِ لِلْجَمِيعِ وَسُقُوطَهُ بِفِعْلِ الْبَعْضِ.

أَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ بِالْفَرْقِ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الْإِجْمَاعَ مُنْعَقِدٌ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْكِفَايَةِ، يَأْثَمُ الْجَمِيعُ بِتَرْكِهِ. وَهَهُنَا إِنَّمَا يَأْثَمُ الْمُكَلَّفُ بِتَرْكِ وَاحِدٍ. فَلِهَذَا قِيلَ: إِنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْكِفَايَةِ عَلَى الْجَمِيعِ، وَلَمْ يَقُلْ بِإِيجَابِ الْجَمِيعِ فِي الْمُخَيَّرِ.

الثَّانِي: أَنَّ تَأْثِيمَ مُكَلَّفٍ وَاحِدٍ لَا بِعَيْنِهِ غَيْرُ مَعْقُولٍ ; لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ عِقَابُ أَحَدِ الشَّخْصَيْنِ لَا عَلَى التَّعْيِينِ، فَلَمْ يَكُنِ الْوُجُوبُ مُتَعَلِّقًا بِوَاحِدٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ. بِخِلَافِ تَأْثِيمِ الْمُكَلَّفِ عَلَى تَرْكِ وَاحِدٍ لَا بِعَيْنِهِ ; فَإِنَّهُ مَعْقُولٌ ; لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُعَاقَبَ الْمُكَلَّفُ عَلَى أَحَدِ الْفِعْلَيْنِ لَا بِعَيْنِهِ، فَيَكُونُ الْوُجُوبُ مُتَعَلِّقًا بِوَاحِدٍ لَا بِعَيْنِهِ.

قِيلَ عَلَى الثَّانِي: إِنَّ التَّأْثِيمَ بِتَرْكِ وَاحِدٍ لَا بِعَيْنِهِ مِنْ ثَلَاثَةٍ، غَيْرُ مَعْقُولٍ ; لِأَنَّهُ يَلْزَمُ التَّرْجِيحُ مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>