قُلْنَا: الْجَمْعُ الْمُتَصَوَّرُ جَمْعُ الْمُخْتَلِفَاتِ، وَهُوَ الْمَحْكُومُ بِنَفْيِهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَصَوُّرِهِ مَنْفِيًّا عَنِ الضِّدَّيْنِ تَصَوُّرُهُ مُثْبَتًا.
ص - فَإِنْ قِيلَ يُتَصَوَّرُ ذِهْنًا لِلْحُكْمِ عَلَيْهِ، لَا فِي الْخَارِجِ. قُلْنَا: فَيَكُونُ الْخَارِجُ مُسْتَحِيلًا، وَالذِّهْنِيُّ بِخِلَافِهِ. وَأَيْضًا: يَكُونُ الْحُكْمُ بِالِاسْتِحَالَةِ عَلَى مَا لَيْسَ بِمُسْتَحِيلٍ. وَأَيْضًا: الْحُكْمُ عَلَى الْخَارِجِ يَسْتَدْعِي تَصَوُّرَهُ لِلْخَارِجِ.
ص - الْمُخَالِفُ: لَوْ لَمْ يَصِحَّ - لَمْ يَقَعْ ; لِأَنَّ الْعَاصِيَ مَأْمُورٌ، وَقَدْ عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَا يَقَعُ. وَأَخْبَرَ أَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ.
وَكَذَلِكَ مَنْ عَلِمَ بِمَوْتِهِ، وَمَنْ نُسِخَ عَنْهُ قَبْلَ تَمَكُّنِهِ. وَلِأَنَّ الْمُكَلَّفَ لَا قُدْرَةَ لَهُ إِلَّا حَالَ الْفِعْلِ، وَهُوَ حِينَئِذٍ غَيْرُ مُكَلَّفٍ فَقَدْ كُلِّفَ غَيْرَ مُسْتَطِيعٍ.
وَلِأَنَّ الْأَفْعَالَ مَخْلُوقَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى. وَمِنْ هَذَيْنِ نُسِبَ تَكْلِيفُ الْمُحَالِ إِلَى الْأَشْعَرِيِّ.
ص - وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ تَصَوُّرَ الْوُقُوعِ لِجَوَازِهِ مِنْهُ، [فَهُوَ] غَيْرُ مَحَلِّ النِّزَاعِ. وَبِأَنَّ ذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ أَنَّ التَّكَالِيفَ كُلَّهَا تَكْلِيفٌ بِالْمُسْتَحِيلِ، وَهُوَ بَاطِلٌ [بِالْإِجْمَاعِ] .
ص - قَالُوا: كَلَّفَ أَبَا جَهْلٍ تَصْدِيقَ رَسُولِهِ فِي جَمِيعِ مَا جَاءَ بِهِ وَمِنْهُ أَنَّهُ لَا يُصَدِّقَهُ، فَقَدْ كَلَّفَهُ بِأَنْ يُصَدِّقَهُ فِي أَنْ لَا يُصَدِّقَهُ، وَهُوَ مُسْتَلْزِمُ أَنْ لَا يُصَدِّقَهُ.
ص - وَالْجَوَابُ أَنَّهُمْ كُلِّفُوا بِتَصْدِيقِهِ. وَإِخْبَارُ رَسُولِهِ كَإِخْبَارِ نُوحٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -.
وَلَا يَخْرُجُ الْمُمْكِنُ عَنِ الْإِمْكَانِ بِخَبَرٍ أَوْ عِلْمٍ. نَعَمْ لَوْ كُلِّفُوا بَعْدَ عِلْمِهِمْ - لَانْتَفَتْ فَائِدَةُ التَّكْلِيفِ، وَمِثْلُهُ غَيْرُ وَاقِعٍ.
ص - (مَسْأَلَةٌ) : حُصُولُ الشَّرْطِ الشَّرْعِيِّ لَيْسَ شَرْطًا فِي التَّكْلِيفِ قَطْعًا، خِلَافًا لِأَصْحَابِ الرَّأْيِ.
وَهِيَ مَفْرُوضَةٌ فِي تَكْلِيفِ الْكَفَّارِ بِالْفُرُوعِ. وَالظَّاهِرُ [الْوُقُوعُ] .
ص - لَنَا: لَوْ كَانَ شَرْطًا - لَمْ تَجِبْ صَلَاةٌ عَلَى مُحْدِثٍ وَجُنُبٍ، وَلَا قَبْلَ النِّيَّةِ، وَلَا " اللَّهُ أَكْبَرُ " قَبْلَ النِّيَّةِ، وَلَا اللَّامُ قَبْلَ الْهَمْزَةِ. وَذَلِكَ بَاطِلٌ قَطْعًا.
ص - قَالُوا: لَوْ كُلِّفَ بِهَا - لَصَحَّتْ مِنْهُ. قُلْنَا: غَيْرُ مَحَلِّ النِّزَاعِ.
ص - قَالُوا: لَوْ صَحَّ لَأَمْكَنَ الِامْتِثَالُ. وَفِي الْكُفْرِ لَا يُمْكِنُ وَبَعْدَهُ يَسْقُطُ. قُلْنَا: يُسَلِّمُ وَيَفْعَلُ، كَالْمُحْدِثِ.
ص - الْوُقُوعُ. وَمَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ وَلَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ.
ص - قَالُوا: لَوْ وَقَعَ - لَوَجَبَ الْقَضَاءُ. قُلْنَا: الْقَضَاءُ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ. فَلَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وُقُوعِ التَّكْلِيفِ وَلَا صِحَّتِهِ رَبْطٌ عَقْلِيٌّ.
ص - (مَسْأَلَةٌ) : لَا تَكْلِيفَ إِلَّا بِفِعْلٍ. فَالْمُكَلَّفُ بِهِ فِي النَّهْيِ: كَفُّ النَّفْسِ عَنِ الْفِعْلِ.
وَعَنْ أَبِي هَاشِمٍ وَكَثِيرٍ: نَفْيُ الْفِعْلِ. لَنَا: لَوْ كَانَ - لَكَانَ مُسْتَدْعَى حُصُولِهِ مِنْهُ، وَلَا يُتَصَوَّرُ ; لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْدُورٍ [لَهُ] .
وَأُجِيبَ بِمَنْعِ أَنَّهُ غَيْرُ مَقْدُورٍ [لَهُ] ، كَأَحَدِ قَوْلَيِ الْقَاضِي. وَرُدَّ بِأَنَّهُ كَانَ مَعْدُومًا وَاسْتَمَرَّ. وَالْقُدْرَةُ تَقْتَضِي أَثَرًا عَقْلًا. وَفِيهِ نَظَرٌ.
ــ
[الشرح]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .