للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[الشرح]

فِي خَبَرِ كُلِّ عَدْلٍ، فَيَلْزَمُ مِنَ الشَّرْطِيَّتَيْنِ أَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ لَوْ كَانَ مُوجِبًا لِلْعِلْمِ لَحَصَلَ الْعِلْمُ بِخَبَرِ كُلِّ عَدْلٍ. وَالتَّالِي ظَاهِرُ الْفَسَادِ فَالْمُقَدَّمُ مِثْلُهُ.

الثَّانِي: أَنَّ خَبَرَهُ لَوْ كَانَ مُفِيدًا لِلْعِلْمِ لَزِمَ تَنَاقُضَ الْمَعْلُومِينَ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ بِالضَّرُورَةِ.

بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّهُ لَوْ أَخْبَرَ عَدْلٌ وَاحِدٌ عَنْ شَيْءٍ وَآخَرُ عَنْ نَقِيضِهِ، يَلْزَمُ الْعِلْمُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ النَّقِيضَيْنِ.

الثَّالِثُ: لَوْ حَصَلَ الْعِلْمُ بِخَبَرِهِ لَوَجَبَ تَخْطِئَةُ مُخَالِفِهِ ; بِوُجُوبِ تَخْطِئَةِ مُخَالِفِ الْيَقِينِ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ.

وَأَمَّا عَلَى الثَّانِي - وَهُوَ أَنَّهُ يَحْصُلُ الْعِلْمُ بِخَبَرِهِ بِالْقَرِينَةِ - ; فَلِأَنَّهُ لَوْ أَخْبَرَ مَلِكٌ بِمَوْتِ وَلَدِهِ الْمُشْرِفِ عَلَى الْمَوْتِ مَعَ صُرَاخٍ، أَيْ صَوْتٍ، وَجِنَازَةٍ، وَانْتِهَاكِ حَرِيمٍ وَنَحْوِهِ، كَخُرُوجِ نِسَائِهِ عَلَى أَحْوَالٍ مُسْتَقْبَحَةٍ مُعْتَادَةٍ فِي مَوْتِ مِثْلِهِ، لَقَطَعْنَا بِصِحَّةِ خَبَرِهِ.

وَقَدِ اعْتُرِضَ عَلَى هَذَا بِأَنَّ الْعِلْمَ حَصَلَ بِالْقَرَائِنِ لَا بِخَبَرِ الْمَلِكِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَوْلَا الْخَبَرُ بِمَوْتِهِ، لَجَوَّزْنَا مَوْتَ شَخْصٍ آخَرَ غَيْرِ وَلَدِهِ عِنْدَ مُشَاهَدَةِ هَذِهِ الْقَرَائِنِ. فَعُلِمَ أَنَّ الْمُفِيدَ لِلْعِلْمِ هُوَ الْخَبَرُ مَعَ الْقَرَائِنِ.

ش - هَذَا اعْتِرَاضٌ عَلَى مَا اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ. تَوْجِيهُهُ أَنْ يُقَالَ: الْأَدِلَّةُ الَّتِي ذَكَرْتُمْ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ الْعِلْمُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ بِغَيْرِ قَرِينَةٍ، قَائِمَةٍ بِعَيْنِهَا عَلَى أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ الْعِلْمُ بِخَبَرِ الْعَدْلِ الْوَاحِدِ مَعَ الْقَرِينَةِ. أَجَابَ بِأَنَّ الْأَدِلَّةَ الثَّلَاثَةَ هَهُنَا مُنْتَفِيَةٌ.

أَمَّا انْتِفَاءُ الْأَوَّلِ ; فَلِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ حُصُولَ الْعِلْمِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ مَعَ الْقَرِينَةِ غَيْرُ مُطَّرِدٍ. وَذَلِكَ لِأَنَّ خَبَرَ كُلِّ عَدْلٍ مَعَ الْقَرِينَةِ يَحْصُلُ الْعِلْمُ بِهِ. وَأَمَّا انْتِفَاءُ الثَّانِي، فَلِأَنَّ الْمُلَازَمَةَ مَمْنُوعَةٌ ; لِأَنَّهُ إِذَا حَصَلَ خَبَرُ الْعَدْلِ الْوَاحِدِ مَعَ الْقَرِينَةِ يَسْتَحِيلُ حُصُولُ مِثْلِ ذَلِكَ الْخَبَرِ فِي نَقِيضِهِ.

وَأَمَّا الثَّالِثُ ; فَلِأَنَّ انْتِفَاءَ التَّالِي مَمْنُوعٌ ; لِأَنَّا نَحْكُمُ بِوُجُوبِ تَخْطِئَةِ الْمُخَالِفِ.

ش - الْقَائِلُونَ بِأَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ كَانَ مَعَهُ قَرِينَةٌ أَوْ لَا، مُفِيدٌ لِلْعِلْمِ، قَالُوا: لَوْ لَمْ يُفِدْ خَبَرُ الْعَدْلِ الْوَاحِدِ بِغَيْرِ قَرِينَةٍ الْعِلْمَ، لَمَّا جَازَ اتِّبَاعُهُ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ بِالِاتِّفَاقِ.

أَمَّا الْمُلَازَمَةُ ; فَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُفِدِ الْعِلْمَ، فَلَا يَخْلُوا إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُفِيدًا لِلظَّنِّ أَمْ لَا. فَإِنْ لَمْ يُفِدِ الظَّنَّ لَمْ يَجُزِ اتِّبَاعُهُ بِالِاتِّفَاقِ. وَإِنْ أَفَادَ فَلَا يَجُوزُ أَيْضًا اتِّبَاعُهُ ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ.

وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ} [الأنعام: ١١٦] فَنَهَى فِي الْآيَةِ الْأُولَى عَنِ اتِّبَاعِ مَا لَيْسَ بِمَعْلُومٍ. وَذَمَّ فِي الثَّانِيَةِ عَلَى مُتَابَعَةِ الظَّنِّ.

أَجَابَ أَوَّلًا بِمَنْعِ انْتِفَاءِ التَّالِي. فَإِنَّا لَا نَتَّبِعُ خَبَرَ الْوَاحِدِ، بَلِ الْمُتَّبَعُ الْإِجْمَاعُ الدَّالُّ عَلَى كَوْنِ خَبَرِ الْوَاحِدِ حُجَّةً، وَهُوَ قَطْعِيٌّ. قِيلَ عَلَيْهِ: إِنَّ اتِّبَاعَ الْإِجْمَاعِ فِي كَوْنِ خَبَرِ الْوَاحِدِ حُجَّةً يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ، لَمْ يُوجِبْ أَنْ يَكُونَ خَبَرُ الْوَاحِدِ مُفِيدًا لِلْعِلْمِ فَإِنْ كَانَ مُفِيدًا بِدُونِ الْإِجْمَاعِ فَالْجَوَابُ لَمْ يَدْفَعْ مَا تَمَسَّكَ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يُفِدْ لَمْ يَجُزِ اتِّبَاعُهُ، فَثَبَتَ الْمُلَازَمَةُ.

وَفِيهِ نَظَرٌ ; فَإِنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَمْنَعِ الْمُلَازَمَةَ، بَلْ مَنَعَ انْتِفَاءَ التَّالِي.

<<  <  ج: ص:  >  >>