وَأَرْبَعُونَ، وَيَنْضَبِطُ بِسِتَّةِ آلَافٍ إِلَّا كَسْرَ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ (الَّذِي صَنَّفَهُ) أَيْ: أَلَّفَهُ، وَجَمَعَهُ (الْإِمَامُ) أَيِ: الْمُقْتَدَى بِهِ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ فَإِنَّهُ كَانَ مُفَسِّرًا مُحَدِّثًا فَقِيهًا مِنْ أَصْحَابِ الْوُجُوهِ. قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: لَيْسَ لَهُ قَوْلٌ سَاقِطٌ، وَكَانَ مَاهِرًا فِي عِلْمِ الْقِرَاءَةِ عَابِدًا زَاهِدًا جَامِعًا بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ عَلَى طَرِيقَةِ السَّلَفِ الصَّالِحِينَ، كَانَ يَأْكُلُ الْخُبْزَ وَحْدَهُ بِلَا إِدَامٍ فَعُلَّ عَنْ ذَلِكَ لِكِبَرِهِ، وَعَجْزِهِ فَصَارَ يَأْكُلُهُ بِالزَّيْتِ. وَقِيلَ بِالزَّبِيبِ. وَقَدْ رَوَى عَنْهُ الْحَدِيثَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَكَابِرِ كَالْحَافِظِ أَبِي مُوسَى الْمَدِينِيِّ، وَالشَّيْخِ أَبِي النَّجِيبِ السُّهْرُوَرْدِيِّ عَمِّ صَاحَبِ الْعَوَارِفِ، وَلَهُ غَيْرُ الْمَصَابِيحِ تَصَانِيفُ مَشْهُورَةٌ كَشَرْحِ السُّنَّةِ فِي الْحَدِيثِ، وَكِتَابِ التَّهْذِيبِ فِي الْفِقْهِ، وَمَعَالِمِ التَّنْزِيلِ فِي التَّفْسِيرِ.
(مُحْيِي السُّنَّةِ) أَيِ: الْأَدِلَّةِ الْحَدِيثَيَّةِ مِنْ أَقْوَالِهِ، وَأَفْعَالِهِ، وَتَقْرِيرِهِ، وَأَحْوَالِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. رُوِيَ أَنَّهُ لَمَّا جَمَعَ كِتَابَهُ الْمُسَمَّى بِشَرْحِ السُّنَّةِ رَأَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَنَامِ، فَقَالَ لَهُ (أَحْيَاكَ اللَّهُ كَمَا أَحْيَيْتَ سُنَّتِي) فَصَارَ هَذَا اللَّقَبُ عَلَمًا لَهُ بِطَرِيقِ الْغَلَبَةِ، تُوُفِّيَ سَنَةَ سِتَ عَشْرَةَ وَخَمْسِمِائَةٍ بِمَرْوَ، وَدُفِنَ عِنْدَ شَيْخِهِ، وَأُسْتَاذِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ الْمَرْوَزِيِّ فَقِيهِ خُرَاسَانَ (قَامِعُ الْبِدْعَةِ) أَيْ: قَاطِعُهَا، وَدَافِعُ أَهْلِهَا، أَوْ مُبْطِلُهَا، وَمُمِيتُهَا. (أَبُو مُحَمَّدٍ) كُنْيَتُهُ، (الْحُسَيْنُ) اسْمُهُ، وَهُوَ مَرْفُوعٌ عَلَى أَنَّهُ بَدَلٌ، أَوْ عَطْفُ بَيَانٍ (ابْنُ مَسْعُودٍ) : نَعْتُهُ (الْفَرَّاءِ) : بِالْجَرِّ نَعْتٌ لِأَبِيهِ، وَهُوَ الَّذِي يَشْتَغِلُ الْفَرْوَ، أَوْ يَبِيعُهُ، وَهُوَ غَيْرُ الْفَرَّاءِ النَّحْوِيِّ الْمَشْهُورِ عَلَى مَا تَوَهَّمَ بَعْضُهُمْ ; فَإِنَّهُ يَنْقُلُ عَنْهُ فِي تَفْسِيرِهِ (الْبَغَوِيُّ) : بِالرَّفْعِ، وَيَجُوزُ جَرُّهُ مَنْسُوبٌ إِلَى بَغَّ، وَقِيلَ: إِلَى بَغْشُورَ: قَرْيَةٌ بَيْنَ مَرْوَ وَهَرَاةَ فِي حُدُودِ خُرَاسَانَ، وَالِاسْمُ الْمُرَكَّبُ تَرْكِيبًا مَزْجِيًا يُنْسَبُ إِلَى جُزْئِهِ الْأَوَّلِ كَمَعَدِّيٍّ فِي مَعْدِي كَرِبَ، وَبَعْلِيٍّ فِي بَعْلَبَكَّ، وَإِنَّمَا جَاءَتِ الْوَاوُ فِي النِّسْبَةِ إِجْرَاءً لِلَفْظَةِ بَغَّ مَجْرَى مَحْذُوفِ الْعَجُزِ كَالدَّمَوِيِّ، وَلِئَلَّا يَلْتَبِسُ بِالْبَغِيِّ بِمَعْنَى الزَّانِي، وَقِيلَ: إِنَّهُ مَنْسُوبٌ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ (رَفَعَ اللَّهُ دَرَجَتَهُ) : وَأَسْبَغَ عَلَيْهِ رَحْمَتَهُ، وَالْجُمْلَةُ دِعَائِيَّةٌ إِيمَاءً إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {يَرْفَعُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة: ١١]- (أَجْمَعَ كِتَابٍ) خَبَرُ كَانَ (صُنِّفَ) أَيْ: ذَلِكَ الْكِتَابُ (فِي بَابِهِ) أَيْ: فِي بَابِ الْحَدِيثِ ; فَإِنَّهُ جَمَعَ الْأَحَادِيثَ الْمُهِمَّةَ الَّتِي لَا يَسْتَغْنِي عَنْهَا سَالِكُ طَرِيقِ الْآخِرَةِ، وَلَوْ كَانَ مِنَ الْأَئِمَّةِ عَلَى تَرْتِيبِ أَبْوَابِ الْكُتُبِ الْفِقْهِيَّةِ ; لِيَسْهُلَ الْكَشْفُ، وَيُفَسِّرُ بَعْضُ الْأَحَادِيثِ بَعْضَهَا الْإِجْمَالِيَّةَ، وَتَتَبَيَّنُ الْمَسَائِلُ الْخِلَافِيَّةُ بِمُقْتَضَى الدَّلَالَاتِ الْحَدِيثَيَّةِ. (وَأَضْبَطَ) : عَطْفٌ عَلَى أَجْمَعَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا جُرِّدَ عَنِ الْأَسَانِيدِ، وَعَنِ اخْتِلَافِ الْأَلْفَاظِ، وَتَكْرَارِهَا فِي الْمَسَانِيدِ صَارَ أَقْرَبَ إِلَى الْحِفْظِ، وَالضَّبْطِ، وَأَبْعَدَ مِنَ الْغَلَطِ، وَالْخَبْطِ (لِشَوَارِدِ الْأَحَادِيثِ) : جَمْعُ شَارِدَةٍ، وَهِيَ النَّافِرَةُ، وَالذَّاهِبَةُ عَنِ الدَّرْكِ مِنْ بَابِ إِضَافَةِ الصِّفَةِ إِلَى الْمَوْصُوفِ (وَأَوَابِدِهَا) : عَطْفُ تَفْسِيرٍ أَيْ: وَحْشِيَّاتُهَا ; شُبِّهَتِ الْأَحَادِيثُ بِالْوُحُوشِ لِسُرْعَةِ تَنَفُّرِهَا، وَتَبَعُّدِهَا عَنِ الضَّبْطِ، وَالْحِفْظِ ; وَلِذَا قِيلَ: الْعِلْمُ صَيْدٌ، وَالْكِتَابَةُ قَيْدٌ (وَلَمَّا سَلَكَ) أَيِ: الْبَغَوِيُّ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) : جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ دَعَائِيَّةٌ أَيْ: ذَهَبَ فِي مَسْلَكِ تَصْنِيفِهِ هَذَا (طَرِيقَ الِاخْتِصَارِ) أَيْ: بِالِاكْتِفَاءِ عَلَى مُتُونِ الْأَحَادِيثِ عَلَى وَجْهِ الِاقْتِصَارِ (وَحَذْفِ الْأَسَانِيدِ) : عَطْفٌ عَلَى سَلَكَ، وَقِيلَ: مَصْدَرٌ مُضَافٌ عُطِفَ عَلَى طَرِيقٍ، وَهُوَ عَلَى الْوَجْهَيْنِ عَطْفُ تَفْسِيرٍ، وَالْمُرَادُ بِالْإِسْنَادِ: إِمَّا حَذْفُ الصَّحَابِيِّ، وَتَرْكُ الْمُخْرِجِ فِي كُلِّ حَدِيثٍ، وَهُوَ مَجَازٌ مِنْ بَابِ إِطْلَاقِ الْكُلِّ عَلَى الْبَعْضِ، أَيْ: طَرَفَيِ الْإِسْنَادِ، وَهُوَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ ظَاهِرًا مِنْ قَوْلِهِ: (لَكِنْ لَيْسَ مَا فِيهِ أَعْلَامٌ كَالْأَغْفَالِ) ، وَأَمَّا مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيُّ عِنْدَ مُصْطَلَحِ أَهْلِ الْحَدِيثِ: وَهُوَ حِكَايَةُ طَرِيقِ مَتْنِ الْحَدِيثِ بِحَيْثُ يُعْلَمُ رُوَاتُهُ، ثُمَّ إِنَّهُ إِنَّمَا حَذَفَهَا لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِي ذِكْرِهَا ; لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا أَنْ يُعْلَمَ عِنْدَ التَّعَارُضِ رَاجِحُ الْحَدِيثِ مِنْ مَرْجُوحِهِ، وَنَاسِخُهُ مِنْ مَنْسُوخِهِ، بِسَبَبِ زِيَادَةِ عَدَالَةِ الرُّوَاةِ، وَتَقَدُّمِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي لَا بُدَّ لِلْمُجْتَهِدِ مِنْهَا، وَلَمَّا عُدِمَ الْمُجْتَهِدُونَ فِي هَذِهِ الْأَعْصَارِ، وَنَدُرَ وُجُودُهُمْ فِي الْأَمْصَارِ، وَوَضَعَ هَذَا الْكِتَابِ لِلصُّلَحَاءِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute