الْأَذَانِ، مَعَ أَنَّ أَذَانَ غَيْرِهِ كَافٍ لَهُ عِنْدَ غَيْرِ دَاوُدَ. ثُمَّ قَالَ: وَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ (إِذَا «كَانَ أَحَدُكُمْ بِأَرْضِ فَلَاةٍ فَدَخَلَ عَلَيْهِ وَقْتُ الصَّلَاةِ فَإِنْ صَلَّى بِلَا أَذَانٍ وَلَا إِقَامَةٍ صَلَّى وَحْدَهُ، إِنْ صَلَّى بِإِقَامَةٍ صَلَّى مَعَهُ مَلِكٌ، وَإِنْ صَلَّى بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ صَلَّى خَلْفَهُ صَفٌّ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، أَوَّلُهُمْ بِالْمَشْرِقِ وَآخِرُهُمْ بِالْمَغْرِبِ» ) أَوْرَدَهُ الْفُقَهَاءُ.
قُلْتُ: وَلَوْ صَحَّ هَذَا النَّقْلُ لَمْ يَبْقَ مُجْمَلًا مَعَ أَنَّ لِأَحْمَدَ أَنْ يَخُصَّ الْحُكْمُ حَالَةَ الْجَمَاعَةِ لَا حَالَةَ الِانْفِرَادِ كَمَا يُشْعِرُ بِهِ الْحَدِيثُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ - عِنْدَ قَوْلِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ " الْأَذَانُ سُنَّةٌ " -: هُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ، وَكَذَا الْإِقَامَةُ، وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: وَاجِبٌ لِقَوْلِ مُحَمَّدٍ: لَوِ اجْتَمَعَ أَهْلُ بَلَدٍ عَلَى تَرْكِهِ قَاتَلْنَاهُمْ عَلَيْهِ، وَأُجِيبَ: بِكَوْنِ الْقِتَالِ لَمَا يَلْزَمُ مِنَ الْإِجْمَاعِ عَلَى تَرْكِهِ اسْتِخْفَافُهُمْ بِالدِّينِ بِخَفْضِ إِعْلَامِهِ، لِأَنَّ الْأَذَانَ مِنْ إِعْلَامِ الدِّينِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ: يُحْبَسُونَ وَيُضْرَبُونَ وَلَا يُقَاتَلُونَ بِالسِّلَاحِ، كَذَا نَقَلَهُ بَعْضُهُمْ بِصُورَةِ نَقْلِ الْخِلَافِ، وَلَا يَخْفَى أَنْ لَا تَنَافِيَ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ بِوَجْهٍ، فَإِنَّ الْمُقَاتَلَةَ إِنَّمَا تَكُونُ عِنْدَ الِامْتِنَاعِ وَعَدَمِ الْقَهْرِ لَهُمْ، وَالضَّرْبَ وَالْحَبْسَ إِنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ قَهْرِهِمْ، فَجَازَ أَنْ يُقَاتَلُوا إِذَا امْتَنَعُوا عَنْ قَبُولِ الْأَمْرِ بِالْأَذَانِ، فَإِذَا قُوتِلُوا فَظَهَرَ عَلَيْهِمْ ضُرِبُوا وَحُبِسُوا، وَقَدْ يُقَالُ: عَدَمُ التَّرْكِ مَرَّةً دَلِيلٌ عَلَى الْوُجُوبِ، فَيَنْبَغِي وُجُوبُ الْأَذَانِ كَذَلِكَ وَلَا يَظْهَرُ كَوْنُهُ عَلَى الْكِفَايَةِ وَإِلَّا لَمْ يَأْثَمْ أَهْلُ بَلْدَةٍ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى تَرْكِهِ إِذَا قَامَ بِهِ غَيْرُهُمْ وَلَمْ يُضْرَبُوا وَلَمْ يُحْبَسُوا.
قُلْتُ: لَعَلَّهُ أَرَادَ بِعَدَمِ ظُهُورِ كَوْنِهِ عَلَى الْكِفَايَةِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى جَمِيعِ الْبُلْدَانِ، وَإِلَّا لَا شَكَّ أَنَّهُ إِذَا أَذَّنَ أَحَدٌ فِي بَلَدٍ سَقَطَ وُجُوبُهُ عَنِ الْبَاقِينَ، ثُمَّ قَالَ: وَفِي " الدِّرَايَةِ " عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْجَعْدِ، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبَى يُوسُفَ: لَوْ صَلَّوْا فِي الْحَضَرِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ بِلَا أَذَانٍ وَإِقَامَةٍ أَخْطَئُوا السُّنَّةَ وَأَثِمُوا، وَهَذَا وَإِنْ كَانَ لَا يَسْتَلْزِمُ وُجُوبَهُ لِجَوَازِ كَوْنِ الْإِثْمِ لِتَرْكِهِمَا مَعًا فَيَكُونُ الْوَاجِبُ أَنْ لَا يَتْرُكَهَا مَعَهُمْ لَكِنْ يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُجَابُ الْأَذَانُ لِظُهُورِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ دَلِيلِهِ. (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) قَالَ مِيرَكُ: وَرَوَاهُ الْجَمَاعَةُ، وَالْمَعْنَى عِنْدَهُمْ مُتَقَارِبٌ، وَبَعْضُهُمْ ذَكَرَ فِيهِ قِصَّةً، كَذَا قَالَهُ الشَّيْخُ الْجَزَرِيُّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute