للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الْمُتَّصِلِ فِي " نَامَ "، وَفِي نُسْخَةٍ: نَامَ وَنَامَ أَصْحَابُهُ اهـ. وَهَذَا إِعْرَابُ لَفْظِ الْمَصَابِيحِ، إِذْ لَفْظُهُ: وَنَامَ أَصْحَابُهُ، وَأَمَّا عَلَى مَا فِي الْمِشْكَاةِ، أَوْ عَطْفٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ، وَيَجُوزُ نَصْبُهُ عَلَى الْمَفْعُولِ مَعَهُ (فَلَمَّا تَقَارَبَ الْفَجْرُ، اسْتَنَدَ بِلَالٌ إِلَى رَاحِلَتِهِ) لِغَلَبَةِ ضَعْفِ السَّهَرِ وَكَثْرَةِ الصَّلَاةِ (مُوَاجِهَ الْفَجْرِ) أَيْ: لِيَرْقُبَهُ حَتَّى يُوقِظَهُمْ عَقِبَ طُلُوعِهِ وَهُوَ بِكَسْرِ الْجِيمِ عَلَى أَنَّهُ فِعْلٌ لَازِمٌ، وَلِذَا قَالَ الطِّيبِيُّ: أَيْ مُتَوَجِّهَ الْفَجْرِ يَعْنِي مَوْضِعَهُ، وَفِي نُسْخَةٍ: بِفَتْحِ الْجِيمِ عَلَى أَنَّ الْفِعْلَ مُتَعَدٍّ، وَالْمُوَجَّهُ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى وَلِكُلِّ وُجْهَةٍ (فَغَلَبَتْ بِلَالًا عَيْنَاهُ) : قَالَ الطِّيبِيُّ: هَذَا عِبَارَةٌ عَنِ النَّوْمِ، كَأَنَّ عَيْنَيْهِ غَالَبَتَاهُ فَغَلَّبَتَاهُ عَلَى النَّوْمِ تَمَّ كَلَامُهُ، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ نَامَ مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارٍ (وَهُوَ مُسْتَنِدٌ إِلَى رَاحِلَتِهِ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ تُفِيدُ عَدَمَ اضْطِجَاعِهِ عِنْدَ غَلَبَةِ نَوْمِهِ ( «فَلَمْ يَسْتَيْقِظْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا بِلَالٌ، وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ حَتَّى ضَرَبَتْهُمُ الشَّمْسُ» ) أَيْ: أَصَابَتْهُمْ، وَوَقَعَ عَلَيْهِمْ حَرُّهَا (فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَّلَهُمُ اسْتِيقَاظًا) قَالَ الطِّيبِيُّ: فِي اسْتِيقَاظِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ النَّاسِ، إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ النُّفُوسَ الزَّكِيَّةَ وَإِنْ غَلَبَ عَلَيْهَا فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ شَيْءٌ مِنَ الْحُجُبِ الْبَشَرِيَّةِ، لَكِنَّهَا عَنْ قَرِيبٍ سَتَزُولُ، وَأَنَّ كُلَّ مَنْ هُوَ أَزْكَى كَانَ زَوَالُ حُجُبِهِ أَسْرَعَ. (فَفَزِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ: مِنَ اسْتِيقَاظِهِ وَقَدْ فَاتَتْهُ الصُّبْحُ. قَالَ الطِّيبِيُّ: أَيْ هَبَّ وَانْتَبَهَ كَأَنَّهُ مِنَ الْفَزَعِ وَالْخَوْفِ ; لِأَنَّ مَنْ يَتَنَبَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ فَزَعٍ مَا (فَقَالَ: (أَيْ بِلَالٌ) وَالْعِتَابُ مَحْذُوفٌ وَمُقَدَّرٌ أَيْ: لِمَ نِمْتَ حَتَّى فَاتَتْنَا الصَّلَاةُ ; (فَقَالَ بِلَالٌ) أَيْ: مُتَعَذِّرًا (أَخَذَ بِنَفْسَيِ الَّذِي أَخَذَ بِنَفْسِكَ) أَيْ: كَمَا تَوَفَّاكَ فِي النَّوْمِ تَوَفَّانِي. نَقَلَهُ مِيرَكُ عَنِ الطِّيبِيِّ، وَقَالَ: وَفِيهِ أَيُّ تَأَمُّلٌ أَوْ نَظَرٌ، وَالظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ مَعْنَاهُ غَلَبَ عَلَى نَفْسِي مَا غَلَبَ عَلَى نَفْسِكَ مِنَ النَّوْمِ، أَيْ: كَانَ نَوْمِي بِطَرِيقِ الِاضْطِرَارِ دُونَ الِاخْتِيَارِ لِيَصِحَّ الِاعْتِذَارُ، وَلَيْسَ فِيهِ احْتِجَاجٌ بِالْقَدَرِ كَمَا تَوَهَّمَهُ بَعْضُهُمْ، وَفِي كَلَامِ الطِّيبِيِّ إِشَارَةٌ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا} [الزمر: ٤٢] الْآيَةَ (قَالَ: (اقْتَادُوا) أَمْرٌ مِنَ الِاقْتِيَادِ. يُقَالُ: قَادَ الْبَعِيرَ وَاقْتَادَهُ إِذَا جَرَّ حَبْلَهُ أَيْ: سُوقُوا رَوَاحِلَكُمْ مِنْ هَذَا الْمَوْضِعِ. (فَاقْتَادَوْا) مَاضٍ أَيْ: سَاقَوْا (رَوَاحِلَهُمْ شَيْئًا) يَسِيرًا مِنَ الزَّمَانِ أَوِ اقْتِيَادًا قَلِيلًا مِنَ الْمَكَانِ يَعْنِي قَالَ: أَذْهِبُوا رَوَاحِلَكُمْ، فَذَهَبُوا بِهَا مِنْ ثَمَّةَ مَسَافَةٍ قَلِيلَةٍ، وَلَمْ يَقْضِ الصَّلَاةَ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ ; لِأَنَّهُ مَوْضِعٌ غَلَبَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ، أَوْ لِأَنَّ بِهِ شَيْطَانًا كَمَا فِي رِوَايَةِ: " «تَحَوَّلُوا بِنَا عَنْ هَذَا الْوَادِي فَإِنَّ بِهِ شَيْطَانًا» "، وَقِيلَ: أَخَّرَ لِيَخْرُجَ وَقْتُ الْكَرَاهَةِ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَنْ جَوَّزَ قَضَاءَ الْفَائِتَةِ فِي الْوَقْتِ الْمَنْهِيِّ وَهُمُ الْأَكْثَرُونَ قَالُوا: أَرَادَ أَنْ يَتَحَوَّلَ عَنِ الْمَكَانِ الَّذِي أَصَابَتْهُمْ فِيهِ هَذِهِ الْغَفْلَةُ، وَقَدْ وَرَدَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: " «تَحَوَّلُوا عَنْ مَكَانِكُمُ الَّذِي أَصَابَتْكُمْ فِيهِ هَذِهِ الْغَفْلَةُ» "، وَفِي رِوَايَةٍ: " «لِيَأْخُذْ كُلُّ وَاحِدٍ رَأْسَ رَاحِلَتِهِ، فَإِنَّ هَذَا مَنْزِلٌ حَضَرَنَا فِيهِ الشَّيْطَانُ» "، كَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْمَلَكِ. وَهُوَ كَذَا فِي شَرْحِ السُّنَّةِ.

ثُمَّ قَالَ الطِّيبِيُّ: قَالَ النَّوَوِيُّ: فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ ذُهِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَنَامَ عَنْهَا ; مَعَ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي جَوَابِ عَائِشَةَ، «يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتَنَامُ قَبْلَ أَنْ تُوتِرَ؟ : إِنَّ عَيْنَيَّ تَنَامَانِ وَلَا يَنَامُ قَلْبِي» . قُلْنَا: فِيهِ وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الْقَلْبَ إِنَّمَا يُدْرِكُ الْأُمُورَ الْبَاطِنَةَ كَاللَّذَّةِ وَالْأَلَمِ وَنَحْوِهَا، وَلَا يُدْرِكُ الْحِسِّيَّاتِ مِثْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَغَيْرِهِ، وَإِنَّمَا يُدْرَكُ ذَلِكَ بِالْعَيْنِ، وَالْعَيْنُ نَائِمَةٌ وَالْقَلْبُ يَقْظَانٌ، وَالثَّانِي أَنَّهُ كَانَ لَهُ حَالَانِ: يَنَامُ الْقَلْبُ تَارَةً وَهِيَ نَادِرَةٌ، وَأُخْرَى لَا يَنَامُ، فَصَادَفَ بِهَذَا الْمَوْضِعِ حَالَةَ النَّوْمِ وَهُوَ ضَعِيفٌ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَإِنِ انْتَصَرَ لَهُ الشَّارِحُ بِمَا لَا يُجْدِي.

قَالَ السَّيِّدُ نَقْلًا عَنِ الطِّيبِيِّ، أَقُولُ: وَلَعَلَّ الْوَجْهَ الثَّانِيَ أَوْلَى لِمَا وَرَدَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ اضْطَجَعَ فَنَامَ حَتَّى نَفَخَ فَآذَنَهُ بِلَالٌ بِالصَّلَاةِ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ، وَعَلَّلُوهُ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ( «تَنَامُ عَيْنِي وَلَا يَنَامُ قَلْبِي» ) قُلْتُ: يُرِيدُ الطِّيبِيُّ أَنَّهُ عَلَيْهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>