للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَفَهِمَ مِنْهُ الْمَالِكِيَّةُ أَفْضَلِيَّةَ الْمَدِينَةِ عَلَى مَكَّةَ، قَالُوا: وَمَعْنَاهُ إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ ; فَإِنَّ الصَّلَاةَ بِمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ أَفْضَلُ مِنْهَا بِمَسْجِدِ مَكَّةَ بِدُونِ الْأَلِفِ، وَهُوَ غَفْلَةٌ عَنْ بَقِيَّةِ الْأَحَادِيثِ الْمُبْطِلَةِ لِمَا فَهِمُوهُ، بَلْ مَعْنَاهُ إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ ; فَإِنَّ الصَّلَاةَ فِيهِ تَفْضُلُ الصَّلَاةَ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَضْعَافٍ مُضَاعَفَةٍ، كَمَا صُرِّحَ بِهِ فِي خَبَرِ أَحْمَدَ، وَالْبَزَّارِ. وَصَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ، مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ حَبِيبِ الْمُعَلِّمِ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( «صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِي غَيْرِهِ مِنَ الْمَسَاجِدِ إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ، وَصَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنَ الصَّلَاةِ فِي مَسْجِدِي هَذَا بِمِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ» ) . وَإِسْنَادُهُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ.

وَلِمَا صَحَّحَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ أَئِمَّةِ الْمَالِكِيَّةِ قَالَ: إِنَّهُ الْحُجَّةُ عِنْدَ التَّنَازُعِ. وَقَالَ أَيْضًا: إِنَّهُ حَدِيثٌ ثَابِتٌ لَا مَطْعَنَ فِيهِ لِأَحَدٍ إِلَّا الْمُتَعَسِّفَ لَا يُعْرَجُ عَلَى قَوْلِهِ فِي حَبِيبٍ الْمُعَلِّمِ، وَقَدْ كَانَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ يَمْدَحُهُ وَيُوَثِّقُهُ وَيُثْنِي عَلَيْهِ، وَكَانَ ابْنُ مَهْدِيٍّ، وَيَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، وَعَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ وَغَيْرُهُمْ - يَرْوُونَ عَنْهُ، وَهُمْ أَئِمَّةٌ عُلَمَاءُ يُقْتَدَى بِهِمْ، وَبَقِيَّةُ رِجَالِ إِسْنَادِهِ أَئِمَّةٌ ثِقَاتٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ عَلَّلَهُ بِالِاخْتِلَافِ عَلَى عَطَاءٍ ; لِأَنَّ قَوْمًا يَرْوُونَهُ عَنْهُ، عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَآخَرِينَ عَنْهُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَآخَرِينَ عَنْهُ عَنْ جَابِرٍ، وَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ يَجْعَلُ مِثْلَ هَذَا عِلَّةً فِي الْحَدِيثِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ ; لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ عَطَاءٍ عَنْ هَؤُلَاءِ جَمِيعِهِمْ، بَلْ هُوَ الْوَاقِعُ كَمَا يَأْتِي، وَالْوَاجِبُ أَنْ لَا يَدْفَعَ خَبَرَ نَقْلِهِ الْعُدُولُ إِلَّا بِحُجَّةٍ. وَقَالَ الْبَزَّارُ: وَهَذَا الْحَدِيثُ رُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ وَاخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِيهِ، وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ: إِنَّهُ يَزِيدُ عَلَيْهِ بِمِائَةٍ، إِلَّا ابْنَ الزُّبَيْرِ. وَقَدْ تَابَعَ حَبِيبًا الْمُعَلِّمَ الرَّبِيعُ بْنُ صُبَيْحٍ، فَرَوَاهُ عَنْ عَطَاءِ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَرَوَاهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْهُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَابْنُ جُرَيْجٍ عَنْهُ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ اهـ. كَلَامُ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ وَلَا مَزِيدَ عَلَى حُسْنِهِ.

وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الذَّهَبِيُّ: إِسْنَادُهُ صَالِحٌ، وَفِي ابْنِ مَاجَهْ بِسَنَدٍ فِي بَعْضِ رِجَالِهِ لِينٌ: ( «صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ، وَصَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ» ) . وَخَبَّرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَقَالَ: رِجَالُ إِسْنَادِهِ عُلَمَاءُ أَجِلَّاءُ، وَلَفْظُهُ كَالَّذِي قَبْلَهُ. وَرَوَاهُ ابْنُ زَنْجُوَيْهِ بِلَفْظِ: (إِلَّا «الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ فَإِنَّهَا تَعْدِلُ مِائَةَ أَلْفِ صَلَاةٍ فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ» ) . وَفِي حَدِيثِ الْبَزَّارِ: ( «فَضْلُ الصَّلَاةِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ عَلَى غَيْرِهِ مِائَةُ أَلْفِ صَلَاةٍ، وَفِي مَسْجِدِي أَلْفُ صَلَاةٍ، وَفِي مَسْجِدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ خَمْسُمِائَةِ صَلَاةٍ» ) . وَخَبَّرَ ابْنُ مَاجَهْ ( «صَلَاةُ الرَّجُلِ فِي بَيْتِهِ بِصَلَاةٍ، وَصَلَاتُهُ فِي مَسْجِدِ الْقَبَائِلِ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ صَلَاةً، وَصَلَاتُهُ فِي الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى وَمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ بِخَمْسِينَ أَلْفَ صَلَاةٍ، وَصَلَاتُهُ فِي مَسْجِدِ الْحَرَامِ بِمِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ» ) . وَخَبَّرَ الطَّبَرَانِيُّ: ( «صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا بِعَشَرَةِ آلَافِ صَلَاةٍ، وَصَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بِعَشَرَةِ أَمْثَالِهَا بِمِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ، وَصَلَاةُ الرَّجُلِ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ بِأَلْفِ صَلَاةٍ، وَصَلَاةُ الرَّجُلِ فِي بَيْتِهِ حَيْثُ لَا يَرَاهُ أَحَدٌ أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ» ) .

قُلْتُ: يُحْمَلُ صَلَاةُ الرَّجُلِ فِي بَيْتِهِ أَوَّلًا عَلَى الْفَرْضِ، وَثَانِيًا عَلَى النَّفْلِ ; لِئَلَّا يَتَعَارَضَا أَوْ عَلَى الْعُذْرِ، وَصَحَّ عَنْ عُمَرَ. - قَالَ ابْنُ حَزْمٍ بِسَنَدٍ كَالشَّمْسِ فِي الصِّحَّةِ - أَنَّهُ قَالَ: «صَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» ، وَصَحَّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: «الصَّلَاةُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ تَفْضُلُ عَلَى مَسْجِدِ النَّبِيِّ بِمِائَةِ ضِعْفٍ» .

<<  <  ج: ص:  >  >>