للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَسَبَبُ نُزُولِهَا قَوْلُ الْيَهُودِ: (بَيْتُ الْمَقْدِسِ أَفْضَلُ مِنَ الْكَعْبَةِ) ، وَقَوْلُ الْمُسْلِمِينَ عَكْسَهُ فَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ أَوَّلُ بَيْتٍ وُضِعَ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ فَقِيلَ: هُوَ أَوَّلُ مَا ظَهَرَ عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ حِينَ خَلَقَ اللَّهُ الْأَرْضَ، فَخَلَقَهُ قَبْلَهَا بِأَلْفَيْ عَامٍ وَدَحَاهَا مِنْ تَحْتِهَا.

قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: كَانَتِ الْكَعْبَةُ عَلَى الْمَاءِ، عَلَيْهَا مَلَكَانِ يُسَبِّحَانِ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ قَبْلَ الْأَرْضِ بِأَلْفَيْ سَنَةٍ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وُضِعَ الْبَيْتُ فِي الْمَاءِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَرْكَانٍ قَبْلَ أَنْ تُخْلَقَ الدُّنْيَا بِأَلْفَيْ سَنَةٍ، ثُمَّ دُحِيَتِ الْأَرْضُ مِنْ تَحْتِهِ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: لَقَدْ خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى مَوْضِعَ هَذَا الْبَيْتِ قَبْلَ أَنْ يُخْلَقَ شَيْءٌ مِنَ الْأَرْضِ بِأَلْفَيْ سَنَةٍ، وَأَنَّ قَوَاعِدَهُ لَفِي الْأَرْضِ السَّابِعَةِ السُّفْلَى، وَقَالَ كَعْبٌ: كَانَتِ الْكَعْبَةُ غُثَاءً عَلَى الْمَاءِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ بِأَرْبَعِينَ سَنَةً، وَمِنْهَا دُحِيَتِ الْأَرْضُ، وَقِيلَ إِنَّ (آدَمَ حِينَ أُهْبِطَ اسْتَوْحَشَ، فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهِ ابْنِ لِي بَيْتًا فِي الْأَرْضِ وَاصْنَعْ حَوْلَهُ نَحْوَ مَا رَأَيْتَ الْمَلَائِكَةَ تَصْنَعُ حَوْلَ عَرْشِي فَبَنَاهُ، رَوَاهُ أَبُو صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقِيلَ: أُهْبِطَ مَعَ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فَلَمَّا كَانَ الطُّوفَانُ رُفِعَ فَصَارَ سُورًا فِي السَّمَاءِ، وَبَنَى إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى أَثَرِهِ، قَالَهُ قَتَادَةُ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ بَنَاهُ آدَمُ وَحَوَّاءُ لِمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ، «عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ مَرْفُوعًا: بَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى جِبْرِيلَ إِلَى آدَمَ وَحَوَّاءَ، وَأَمَرَهُمَا بِبِنَاءِ الْكَعْبَةِ، فَبَنَاهُ آدَمُ ثُمَّ أَمَرَهُ بِالطَّوَافِ بِهِ، وَقِيلَ لَهُ: أَنْتَ أَوَّلُ النَّاسِ، وَهَذَا أَوَّلُ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ» ، وَقِيلَ: إِنَّهُ كَانَ قَبْلَهُ بُيُوتٌ وَأَوَّلُ مَنْ بَنَاهُ شِيثُ بْنُ آدَمَ، وَكَانَ قَبْلَ أَنْ يَبْنِيَهُ يَاقُوتَةً حَمْرَاءَ يَطُوفُ بِهَا آدَمُ يَأْنَسُ بِهَا، لِأَنَّهَا مِنَ الْجَنَّةِ ثُمَّ دُثِرَ مِنَ الطُّوفَانِ إِلَى أَنْ بَنَاهُ إِبْرَاهِيمُ، وَقِيلَ: كَانَتْ قَبْلَهُ بُيُوتٌ، وَلَكِنَّهُ أَوَّلُ مَسْجِدٍ وُضِعَ بِالْأَرْضِ لِمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ أَيْضًا أَنَّ عَلِيًّا كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ، سَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ " {أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا} [آل عمران: ٩٦] " أَهُوَ بَيْتٌ بُنِيَ فِي الْأَرْضِ؟ قَالَ: لَا، كَانَ نُوحٌ قَبْلَهُ، وَكَانَ الْبُيُوتُ وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ قَبْلَهُ، وَكَانَ فِي الْبُيُوتِ، وَلَكِنَّهُ أَوَّلُ بَيْتٍ وُضِعَ فِيهِ الْبَرَكَةُ وَالْهُدَى، وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا، فَتَبَيَّنَ عَلَى أَنَّ الْوَضْعَ غَيْرُ الْبَنَّاءِ، وَصَحَّحَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ هَذَا الْقَوْلَ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ مِنَ الْآيَةِ إِذْ وَضْعُ اللَّهِ لَهُ هُوَ جَعْلُهُ مُتَعَبَّدًا، فَدَلَالَةُ الْآيَةِ عَلَى الْأَوَّلِيَّةِ فِي الْفَضْلِ وَالشَّرَفِ أَمْرٌ لَا بُدَّ مِنْهُ ; لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْأَوْلَى مِنْ ذِكْرِ الْأَوَّلِيَّةِ بَيَانُ الْفَضِيلَةِ تَرْجِيحًا لَهُ عَلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَلَا تَأَثُّرَ لِأَوْلَوِيَّتِهِ فِي الْبِنَاءِ فِي هَذَا الْفَضْلِ، وَنَقَلَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: أَنَّ أَوَّلَ مَنْ بَنَى مَسْجِدًا فِي الْإِسْلَامِ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: ذَلِكَ بِمَسْجِدِ قُبَاءٍ (ثُمَّ الْأَرْضُ لَكَ) : أَيُّهَا الْمُخَاطَبُ (مَسْجِدٌ) مَوْضِعُ صَلَاةٍ (فَحَيْثُمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلَاةُ فَصَلِّ) : وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ: فَصْلَةٌ بِهَاءِ السَّكْتِ، قَالَ الطِّيبِيُّ: يَعْنِي سَأَلْتَ يَا أَبَا ذَرٍّ عَنْ أَمَاكِنَ بُنِيَتْ مَسَاجِدَ وَاخْتُصَّتِ الْعِبَادَةُ بِهَا، وَأَيُّهَا أَقْدَمُ زَمَانًا؟ فَأَخْبَرْتُكَ بِوَضْعِ الْمَسْجِدَيْنِ وَتَقَدُّمِهِمَا عَلَى سَائِرِ الْمَسَاجِدِ، ثُمَّ أُخْبِرُكَ بِمَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ وَعَلَى أُمَّتِي مِنْ رَفْعِ الْجَنَاحِ وَتَسْوِيَةِ الْأَرْضِ فِي أَدَاءِ الْعِبَادَةِ فِيهَا، (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) : وَفِي بَعْضِ طُرُقِ الْبُخَارِيِّ: فَأَيْنَمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلَاةُ فَصَلِّ فَإِنَّ الْفَضْلَ فِيهِ، وَفِي رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ بِلَفْظِ: وَكَانَ مَنْ قَبْلِي إِنَّمَا كَانُوا يُصَلُّونَ فِي كَنَائِسِهِمْ، وَمَرَّ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ يُصَلِّي حَتَّى يَبْلُغَ مِحْرَابَهُ، وَبِهِ يَبْطُلُ قَوْلُ مَنْ قَالَ مَعْنَى حَدِيثِ: «جُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا» ، وَجُعِلَتْ لِغَيْرِي مَسْجِدًا لَا طَهُورًا ; لِأَنَّ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يَسِيحُ فِي الْأَرْضِ وَيُصَلِّي حَيْثُ أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ اهـ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: جَعَلَ اللَّهُ لِعِيسَى مَوَاضِعَ مِحْرَابًا لَهُ، أَوْ خُصَّ عِيسَى بِالْعُمُومِ لِكَوْنِهِ تَابِعًا لِنَبِيِّنَا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي آخِرِ عُمْرِهِ.

أَيْ: سَتْرُ الْعَوْرَةِ وَسَائِرِ الْأَعْضَاءِ، وَهُوَ بِالْفَتْحِ مَصْدَرُ سَتَرْتَهُ إِذَا غَطَّيْتَهُ، وَبِالْكَسْرِ وَاحِدُ السُّتُورِ، وَالْأَسْتَارِ وَهُوَ مُتَضَمِّنٌ لِطَهَارَةِ الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>